"الفيصل" تنشر "مثقفون في العزلة القسرية" للحبيب السايح

مادة أولى لإبداع قادم

مادة أولى لإبداع قادم
  • القراءات: 682
مريم. ن مريم. ن

نشرت مجلة "الفيصل" في عددها لشهري ماي وجوان 2020، مقالا بعنوان "مثقفون في العزلة القسرية" للكاتب الجزائري المعروف الحبيب السايح، تناول فيه جانبا من كتاباته وأفكاره التي تبلورت في مخيلته ووجدانه مؤخرا بحكم الظروف والمتغيرات التي يعيشها كإنسان وكفرد من مجتمعه.

بداية، يتحدث الكاتب عن انقلاب جذري في حياته لعاملين اثنين؛ الأول الحراك الذي عرفته الجزائر منذ 22 فبراير 2019م، والذي نقله إلى بُعد جديد؛ إذ دخل في تأمل جديد لما يعيشه كإنسان وككاتب، وقد أعجزه فعلًا عن أن يجد له اللغة التي تصف زخمه وتحويله وتأثيره رغم أنه كان ولايزال أحد الفاعلين فيه، إنه في حال استيعاب للاستعارات التي أفرزها، مما يتطلب مسافة زمنية للكتابة عنه كفعل سياسي واجتماعي وثقافي. والعامل الثاني هو وباء كورونا، الذي قبل أسابيع قليلة جدًّا، لم يكن الكاتب يعدُّه سوى مجرد طارئ مرضي عارض يصيب مجموعة بشرية في مساحة ضيقة من هذه الأرض بعيدة منه بآلاف الكيلومترات، ثم فجأة ها هو يقترب، كما عاصفة، وفي صباح تالٍ، أفاق على قتلاه ومصابيه عند النافذة والباب! هنا أحس، لأول مرة، أنه فقد اللغة ونسي أنه كان كاتبًا ولم تعد كتب مكتبته بين عينيه فجأة سوى مجرد أشياء جامدة. ويقول: "بخطفة أخذني رعبي إلى الفضاء الأزرق، هنا وجدت العالم لم يعد كما كان قبل أسابيع قليلة. هنا وقفت على هشاشة الإنسان، على ضعفه ورعبه وعجزه وموته. وهنا، وهنا فحسب، عاينت استهتارنا برسائل الطبيعة إلينا". ثم يضيف: "اليوم، أحس مثل انكسار حدث في علاقتي مع القراءة، التي كانت جزءًا من حياتي اليومية؛ فذهني مشدود كله إلى هذا العدو الخفي. إني أحاول أن أجبر الأمر بنحو ثلاثين دقيقة قبل النوم. ومن الطريف لنفسي، أن أعيد قراءة "بينوكيو ـ قصة دمية متحركة"، يبدو أننا لسنا سوى دمى لن نكتسب صفة البشر الحقيقيين إلا إذا تعلمنا الحوار مع طبيعة كوكبنا حتى لا تغضب غضبتها المدمرة والنهائية". ويكتب السايح أيضا: "يمكن لنا، نحن الأمة العربية قبل غيرنا، أن نستخلص الدرس من مخلفات هذه الجائحة الفادحة، بأن نخصص نسبة معتبرة من عائداتنا - كيفما تكن طبيعتها ويكن حجمها - للاستثمار في إنساننا وفي البحث العلمي وفي الصحة العمومية والتعليم والاستشراف".

أما الدولة المتقدمة وبعيدًا عن نظرية المؤامرة والحرب البيولوجية وما شابه، فيرى السايح أنها ستكون مدعوة إلى إعادة النظر في سياسة التكفل بالإنسان، وخاصة الشرائح الهشة، وأن تراجع مواقفها تجاه حماية الطبيعة، وأن تخلص النية حقيقة في التقليل من الإنفاق على التسليح، وأن تساهم في إخماد بؤر التوتر والحروب، لأن كورونا أظهر للبشرية كلها أنها تعيش في كوكب واحد وفي زمن واحد، وهي معرضة، بلا تمييز، للمخاطر نفسها.

للتذكير، فإن لحبيب السايح من الروائيين الجزائريين الكبار الذين يقتنصون اللحظة التاريخية الفارقة، ويترصدون تجلياتها غير المخيلة، والتي لا ينتبه إليها غيره، فيلتزم بقراءتها وتحليلها والنبش في أسرارها وطلاسمها، ليعيد تركيب هيكلها في تشاكيل ساحرة ومدهشة، ليترك للقارئ قراءة النص المبني على الواقع الحي، مع التأكيد على أن الكاتب لم يكتب يوما تحت أي ضغط طارئ حتى في ذروة أيام المحنة الوطنية.

وفي ما يتعلق بمجلة الفيصل فقد خصصت ملفا عن العزلة التي يعيشها الكتاب العرب كان منهم السايح طبعا، وتناولت كيف أعادت كورونا صياغة العالم، وفرضت حظرًا على الجميع في البيوت كما لو أن الوباء قرر أن يذيق العالم تجربة السجون والحبس الانفرادي في الزنازين، فكيف يرى الكتّاب العرب العزلة القسرية التي عثروا على أنفسهم مقادين إليها؟ وكيف يقضون يومياتهم في ظل تهديدات كورونا؟ وأي طعم للكتابة وللقراءة، وعلى مقربة منهم وباء يكاد يعصف بالعالم في لحظة، والمدن العربية التي سلمت من حروب الربيع العربي، في لحظة تحولت مدن أشباح، بسبب التدابير التي اتُّخِذت لتجنب وباء كورونا؟ فهل هي عدالة من نوع آخر؟ وإلى أي حد شكل كورونا تحديا لمجتمعات العولمة وللعولمة نفسها، بتفشيه على هذا النحو، وجعل حكومات الدول الكبرى في العالم عاجزة عن فعل أي شيء؟ هل المناخات القائمة الآن، من عزل، ومن احتياطات وتدابير، قد تصلح في يوم ما لتغذي المخيلة وتشحذها لكتابة تقارب ما يحدث؟ وتساؤلات أخرى طرحها العدد.