احميدة العياشي يسرد رحلة باشطارزي إلى أمريكا

ما خفي كان أجدر بالتقديم والتأليف

ما خفي كان أجدر بالتقديم والتأليف
  • 643
مريم .ن مريم .ن

قدّم الكاتب والإعلامي احميدة العياشي، أول أمس، بالمسرح الوطني، كتابه الجديد "باشطارزي في أمريكا الجوانب الخفية"، مستعرضا تفاصيل لم تُكشف من قبل عن رائد الحركة المسرحية في الجزائر، ومتوقفا عند شخصيات أخرى من جيل باشطارزي، وشؤون أخرى تخص الراهن الثقافي، وما فيه من مسارات ومفاهيم ورؤى، بعضها قابل للمراجعة.

نشط الندوة ناصر خلاف، الذي استعرض جانبا من ظروف إنجاز هذا الكتاب، الذي يخص رحلة الراحل باشطارزي إلى نيويورك بداية السبعينيات؛ من خلال أسلوب احميدة العياشي المتمكن من أدب الرحلات.

أما احميدة العياشي فقال إن الكتاب هو نوع من التأريخ لجيل المثقفين انطلاقا من المسرح. وهو يستعرض جانبا من حياة باشطارزي، الذي كان من أبناء جيله مصالي الحاج، الذي كان ممثلا بارعا في مسرح الحياة السياسية، وكذا فرحات عباس الذي حمل نفس أفكار باشطارزي اللبيرالية، واستطاع الكاتب أن يجمع بينهم في صفاتهم المشتركة.

وأخبر احميدة صديقه ناصر خلاف أن باشطارزي قام برحلة إلى الولايات المتحدة سنة 1973، وهي غير معروفة، فتُوّج ذلك بكتاب جديد هو الأول من نوعه، يؤرخ لرحلة مسرحية في عالم النشر بالجزائر. وهنا يشير احميدة العياشي: "كانت رحلة متأخرة؛ لأن باشطارزي قام بها في سن متقدمة. كما استعرت فكرة العنوان من إدوارد سعيد، الذي كتب عن الأسلوب المتأخر للمبدعين".

وعن ظروف إنجاز الكتاب قال العياشي إنه شرع فيه في فترة كورونا خاصة عند إصابته بالعدوى، حينها كان يؤلف كتابا آخر، ليلتفت إلى هذا الكتاب، خاصة بعدما قرأ مذكرات باشطارزي كنوع من مقاومته للمرض عندما مرضت زوجته، وكاد الفيروس يفتك بها.

وفي مذكراته كتب باشطارزي عن هذه الرحلة بأسلوب مشتّت، ليعيد احميدة العياش كتابة هذه الرحلة بأسلوبه، وضمن سياقات معيّنة.

وأوضح كاتب "باشطارزي في أمريكا.. الجوانب الخفية "، أنه ربط شخصية مؤلَّفه بشخصيات أخرى، تحدّث عنها في نفس العمل ضمن مقاربة مقصودة، وكان من هؤلاء مصالي الحاج ذو الأصول الجزائرية والتركية كما باشطارزي. كما كان مصالي ميالا للموسيقى الروحية، والطريقة الدرقاوية، وكان باشطارزي أيضا منشدا، وكلاهما عرف نهايات غير سعيدة. أما فرحات عباس فيشبه شخصية الكتاب في الفكر اللبيرالي، وفي الانفتاح؛ ما سبّب لهما معاً بعض التضييق بعد الاستقلال.

وأكد المتحدث أن باشطارزي كان يعتقد أن أمريكا تشبه أوروبا، لكنه رأى عالما أكثر انفتاحا وتقدما، وتغييرا عكس القارة العجوز، وهو الذي تلقّى دعوة من الولايات المتحدة لزيارتها، فانطلق من الجزائر باتجاه تركيا.

ودعا الكاتب إلى كتابة تاريخنا الوطني بالاعتماد على الجوانب الثقافية والفنية والاجتماعية والاقتصادية، وعدم الاكتفاء، فقط، بالجانب السياسي.

ومن ضمن ما ذكر عن باشطارزي، أنه كان ميالا للتيار الليبرالي وللبرجوازية، لكن في الإطار الوطني الجزائري بعيدا عن الكولونيالية الفرنسية، وكان يثمّن أبعاد الهوية الوطنية؛ منها الإسلام، والتاريخ.

وبالمقابل، ذكر العياشي أن صديقه الحميم الراحل كاتب ياسين، كان ضد باشطارزي على طول الخط نتيجة "بورجوازيته »، وكيف كان يستغل من حيث الأجر، الراحل رشيد القسنطيني، ليدعو هنا للبحث في مسارات مثقفينا، وعدم الاعتماد فقط على آراء المقرّبين وحدهم، مبيّنا أن للكثير من رموزنا الفكرية والثقافية مواقف ومسارات، لكن يبقى هؤلاء يعرّفون في إطار ضيق؛ فمثلا كاتب ياسين نفسه يقدّم كيساري شرس، بينما كانت له رحلة إلى مكة المكرمة، وإلى السودان، ومصر. وكتب عن بلال بن رباح، وعن ابن بطوطة. وطالب بترسيخ اللغة العربية. والتقى بسليمان العيسى في بداية الستينيات لتترجم زوجته السورية رائعته "نجمة" إلى العربية. كما رافق بعض المفكرين العرب، منهم مهدي عامر. واستقبل الراحل فؤاد نجم في الجزائر .

وكذلك الحال مع الراحل أبو القاسم سعد الله، الذي عاش في أمريكا، وكتب بأسلوبها، وكانت له فيها ذكريات، كما كان له جوانبه الفنية والإبداعية. وهنا أشار العياشي إلى أن جيله تغذى على أفكار من فترة ساد فيها الفكر اليساري، لكن مع الزمن تبيّن أن لا فكرة مقدسة ولا حقيقة مطلقة، وأن كل مسارات الأفراد والأجيال بها تناقضات وصراعات ومتغيرات، تأتي مع الزمن، وتفرض التأقلم مع الواقع.

وتميز النقاش الذي أعقبه بيع بالإهداء للكتاب ببهو المسرح الوطني، بالثراء، وتدخّل فيه كثير من المثقفين؛ على غرار ربيعة جلطي، وإنعام بيوض، وغيرهما كثير من المثقفين والفنانين، الذين حيّوا احميدة العياشي، الذي كان متأثرا باكيا لفقدان ابنته " ابتهال ".