عمر رقان يعرض بـ "مصطفى كاتب"

لوحات من رحم الحياة

لوحات من رحم الحياة
  • القراءات: 764
لطيفة داريب لطيفة داريب

أكثر من خمسين لوحة للفنان عمر رقان تزيّن رواق المركز الثقافي "مصطفى كاتب"، رسمها من رحم التجارب التي عاشها في حياته، خاصة المتعلقة بسنوات "الحرقة" بألمانيا، حيث أقام هناك أول معرض له، وعرف إقبال الجالية الجزائرية.

عالم رقان سريالي بحت، فهو لا يبتغي أن يكون رساما واقعيا وإن استلهم من الواقع ليرسم لوحات تغلب عليها الزرقة القاتمة، كأنه ليل لا يريد أن ينجلي وإن تخللته بعض الألوان التي يمكن أن تضفي عليه بعضا من الأمل.

ولكن لماذا ارتبط الليل بكل مظاهر التشاؤم؟ هل بسبب ظلمته أم بسبب أسراره التي لا تنتهي؟ ألا يُعتبر عند الفنانين والأدباء فترة يهيم فيها الإلهام، فتصب السماء فنونا وآدابا تدخل عالم الخلود من بابه الواسع؟

اختار رقان هذا الليل ليرسم فيه آهاته ومحطات من حياته المليئة بالتجارب والوقائع، فرسم فيها مخلوقات عجيبة وأخرى واقعية وجدت نفسها في عالم غريب، في حين رسم في أكثر من لوحة، عصافير أسقط عليها ضوء القمر، فظهرت باللون الأزرق وكأنها ترفض النوم رغم حلول الليل.

عالم رقان الفني مليء بعصارة تجاربه ومن بينها السنوات التي عاشها بطريقة غير شرعية في ألمانيا، وأخرى استلهمها من القصص والحكايات والأساطير، ليؤلف ألف حكاية وحكاية، ليس بالكلمات لكن برسومات شتى.

ويعتبر رقان كل لوحة من لوحاته جزءا من قصة حياته أو حلقة من حكاية شدت انتباهه؛ فهو يرسم ما يشعر به، كما يترجم ما يملي عليه لا شعوره عن طريق رسم لوحات متنوعة المواضيع، فكل ذكرياته مسجلة في مخيلته الواسعة، وسيأتي اليوم الذي تجد فيها نفسها ضيفة لوحة زيتية.

بما أن رقان عصامي فهو يبتغي الانطلاق من العدم لرسم لوحاته، حيث لا يملك تكوينا أكاديميا ولا أفكارا مسبقة، وهو ما جعله يتنعم بحرية لا متناهية لإنجاز أعماله الفنية، مشبها نفسه بالطير الحر الذي يراهن على استقلاليته. وفي هذا السياق يرفض عنونة أعماله، وهو ما يدخل أيضا في سياق الحرية التي اتخذها مطية في مسيرته الفنية.

كما ارتدت أعمال عمر رقان رداء سرياليا، حتى إنه في وقت سابق كان يرفض رسم المناظر الطبيعية، ولكنه قرأ أن بيكاسو يرسم الطبيعة كما يراها، فقرر، بدوره، أن يرسمها بأسلوبه الخاص، فرسم لوحة تضم ممرا في الغابة محاطا بالأشجار. لوحة أخرى رسم فيها طبيعة غنّاء، تملأها الزرقة وتنوع الأزهار، إضافة إلى زرقة الماء. لوحة ثالثة عن بيت ريفي تحيط به الخضرة من كل مكان.

ورسم التشكيلي المرأة في أكثر من لوحة، وها هي في لوحة ترتدي ثوبا أصفر وترقص بكل فرح. في لوحة أخرى رسم نصفها العلوي، وركز على نظرتها الثاقبة. كما رسمها في لوحة أخرى جالسة تتغطى بأمواج البحر وتمسك الأزهار في يد، وعصافير في يد أخرى.

ومزج الفنان بين الأسلوبين التجريدي والواقعي في أكثر من لوحة، مثل اللوحة التي رسم فيها امرأة تداعب قطة، بينما رسم أعلاها شبحا ينغص من نومتها الهادئة. كما رسم وجه امرأة ترتدي خمارا مزيّنا بالحشائش وأغصان الأشجار.

وتوقف الفنان عند ظاهرة مسته بشكل شخصي، تتمثل في الهجرة غير الشرعية التي عانى منها شخصيا؛ حيث هاجر بطريقة غير شرعية إلى ألمانيا، ومن ثم عاد إلى الجزائر، ولهذا استلهم من تجربته هذه ورسم عدة لوحات عنها، مثل لوحة قارب يتجه نحو مصير مجهول، عبّر عنه رقان بشبكة عنكبوت. ورسم رجلا ممزق الملابس يحمل حطبا. ورسم لوحة أخرى في وسطها عين بارزة تحيط بها أغصان وأوراق. وفي أخرى رسم كمانا؛ نسبةً لحبه للموسيقى. كما رسم عمر لوحة كتب فيها "المجد والخلود لشهدائنا الأبرار".

الفنان رقان عمر من مواليد 1966، وهو فنان عصامي عشق الريشة منذ الصغر. وقد كان معرضه الأول بألمانيا، ثم تبعته عدة معارض جماعية وفردية بالجزائر.