محمد بوستة يعرض بـ"السوفيتال"
لوحات جميلة برسومات عميقة

- 130

من يزور معرض الفنان محمد بوستة في فندق "السوفيتال"، تأتيه الرغبة في زيارة غرداية واستكشاف رونقها على المباشر، ثم الانتقال إلى القصبة وإحداث المقارنة بين هاتين المدينتين العريقتين، أو للتمتّع بكلّ ما يميّزهما.
لطيفة داريب
أعجب الفنان محمد بوستة جدا بغرداية، وخصّص لها معرضا نظّمه العام الماضي وها هو يعود مجدّدا بلوحات عن "تغردايت" لكن مصحوبة بلوحات أخرى عن القصبة ومواضيع متنوّعة، رغم أنّ الصدارة دائما لعاصمة الميزاب. وكأنّ غرداية لم تبتغ الوحدة فطلبت من فنانها الرفقة الحسنة ليختار لها القصبة ثم يمنح لها آفاقا أخرى مع مواضيع متفرّقة.
يهتمّ الفنان خريج المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بعزازقة كثيرا برسم التراث لكن هذا لا يمنعه من ممارسة العصرنة في أعماله من خلال مزجه بين الواقع والذاكرة ضمن هوية بصرية عصرية، فيبرز عفوية شخوص أعماله وحتى طبيعة المناظر والبينان لكن تشعر أنّه يعرض كلّ هذا في قالب محكم فيه الكثير من الأفكار والعمل الدؤوب وهذه هي سمة الفنان الشاطر الذي يظهر ما هو "معقّد" في شكل بسيط.
يعتمد الفنان في أعماله على تقنية الرسم الزيتي، إما على الورق أو اللوح، رغم أنّها تقنية تتطلّب الوقت لكي تجفّ عكس الأكريليك، إلاّ أنّ بوستة لا يخشى الصعوبات في ظلّ رغبته في التعبير الجليّ عن رؤيته للحياة ولما يحيط به ولخياله أيضا. كما يستخدم أيضا السكين ليمنح أعماله عمقا أكبر.
أعمال بوستة ليست انعكاسا لمنظر ما أو لشخوص فحسب، بل تمثّل عمقا يدفع زائر المعرض إلى طرح تساؤلات حوله وحتى عن تراثه الذي يمثّله وعن كلّ ما يتّصل به من عمران ولباس تقليدي وعادات وهوية أيضا. فالفنان يهتم فعلا بعلاقة الإنسان ببيئته، فيرسم المكان بتفاصيله الدقيقة التي تميّزه عن مكان آخر، ويتغلغل في خباياه ويربطه بالإنسان الذي يعيش فيه وربما لا يستطيع الترحال عنه. كما يذكر وإن بشكل مبطن تلك القصص الشعبية التي طالما أثّثت سهراتنا خاصة الطويلة منها في فصل الشتاء. في هذا السياق، يعرض الفنان أكثر من لوحة عن غرداية استعمل فيها ألوانا عديدة وهي البني والأصفر والأزرق والأبيض والأسود، معبّرا عن انبهاره بهذه المدينة التي رسم تفاصيلها بدون كلل، فقد ألهمته فعلا ودفعت به إلى رسمها وإبراز بصماتها، واعتبار كلّ جزئية منها جديرة بأن يخلّدها في لوحات. فرسم بنيانها ونساءها وسوقها وسماءها وحتى أنوارها الصباحية.
رسم الفنان أيضا القصبة ولوحات عن الطبيعة الصامتة ورسم أيضا المنسيين ونظرة شيخ طاعن في السن وخبير بالحياة، ورسم القنطرة والهلال الأزرق وليلة حالمة وزهرة التين الشوكي.
للإشارة، الفنان محمد بوستة، من مواليد عام 1987، خريج المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بعزازقة (تيزي وزو) عام 2013، تخصّص الرسم . قدّم أطروحته حول موضوع النقد الذاتي في الفن التشكيلي. كما نظم الكثير من المعارض الفردية وشارك أيضا في معارض جماعية.