معرض سيد أحمد حمداد برواق "محمد راسم"
لوحات "بأثر رجعي" مهربة من الزمن الجميل

- 699

يحمل الفنان سيد أحمد حمداد معه، بعضا من ذكريات أيام العز وطيب العيش والمستقر وقناعة النفس، وأيام الوعي الوطني والوقوف مع القضايا العادلة، وغيرها من ملامح جزائر الأمس، وصولا إلى الراهن المعاش، ليتجلى كل ذلك في معرضه المقام حاليا برواق "محمد راسم"، تحت عنوان "بأثر رجعي".
التقت "المساء" بالفنان سيد أحمد، وهو يجلس بين لوحاته مستحضرا مساره الفني، الذي بدأ سنة 1965، ليقول "هذا المعرض المقام إلى غاية 12 سبتمبر الجاري، يضم كل لوحاتي منذ سنة 1965، وإلى غاية اليوم، وطبعا فإني أتذكر أول معرض أقيم لي بقاعة "ابن خلدون" سنة 65، حضره الرئيس الراحل أحمد بن بلة، وتسلمت منه جائزة".
أضاف محدث "المساء"، أنه اتجه خلال فترة الستينيات لدراسة الهندسة، وفي تلك الفترة، كان اختصاص الهندسة المعمارية قرينا أيضا بالفنون الجميلة، لذلك درس عند بعض أساتذة هذا الفن المعروفين، منهم الأجانب الذين لم يغادروا الجزائر بعد الاستقلال، أحدهم إسباني، والذي يقول عنه إنه لولاه لما خطا خطوة في مشوار الفن، علما أن الفنان قلل من عطائه ـ كما قال- في فترة الثمانينات، نتيجة التزاماته المهنية كمهندس معماري.
أكد الفنان أنه عاد مجددا مع بداية التسعينيات، وكان ولا زال فخورا بأنه ينتمي إلى جيل الفنانين الأكاديميين، ليشارك بعدها في تظاهرة "سنة الجزائر بفرنسا"، وغيرها من التظاهرات. ويقول "قسمت مشواري الفني ذي 58 عاما، إلى ثلاث مراحل، كلها تتجلى في هذا المعرض، وهي "مرحلة التعليم الثانوي"، وفيها كنت ذلك الفتى المراهق مرهف الإحساس، الذي يطالع الكتب ويشاهد الأفلام ويتأثر بكل ذلك ويترجمه في لوحاته، ناهيك عن اكتشافه للعالم وارتباطه بالفكر الفلسفي، الذي كان رائجا حينها، ومن هذه السلسلة من مشواري، عرضت بعض اللوحات التي لا أزال أحتفظ بها، جاءت بعدها "مرحلة الطالب الجامعي"، انتعش فيها الوعي السياسي عندي، ومن ضمن ما قدمت؛ لوحة رسمتها سنة 1973، بعنوان "التراجيديا الفلسطينية"، موجودة في المعرض، تحكي انتصارات أكتوبر وصدمة التراجع عن الدخول لتحرير فلسطين، نتيجة تدخل القوى العظمى، ليأتي بعدها التطبيع وكامب ديفد وما خلفه."
أما المرحلة الثالثة، فحددها الفنان في مرحلة الاحتراف، تزامنت أكثر في 90، وهي مرحلة تزامنت والعشرية السوداء، وقد تحداها هو بالرسم وبإقامة المعارض، منها مثلا، معرض سنة 1996 بمسقط رأسه في سيدي بلعباس، ثم بوهران في متحف الفنون الجميلة، وشارك في مهرجان سوق اهراس للفنون التشكيلية وتوج بجائزة. وعن الاحتراف، أجاب سيد أحمد، أن الكلمة تعني بعدين؛ أحدهما التحكم في إمكانيات ووسائل عملية الإبداع، والآخر هو الاستثمار في هذا الفن من خلال بيع اللوحات وكسب المداخيل.
أكد الفنان، أنه يعرض في هذا الرواق العريق 33 لوحة، من حقبات مختلفة، آخرها منذ 5 سنوات الأخيرة، وهي مرحلة شهدت أسفاره لعمق الجزائر، حيث مشى في صحرائها، امتدادا من جانت والتاسيلي، وصولا للقصور وغيرها، ليسجل ذلك في لوحاته، وأضاف أن أي فنان إذا أراد الوصول للاحتراف، عليه أن يزور المعارض الفنية والمتاحف العالمية، ليتشبع من أعمال الفنانين الكبار والرواد، بالتالي التمكن من الاتقان والتشبع بالجمال، مؤكدا أنه إذا ما أراد رسم لوحة فعليه أن يتقنها لتعجبه، وذلك يعني أن الجمهور أيضا سيعجب بها، ويرى أنه ملتزم بقناعة، هي أنه يرسم للجمهور وليس للنخبة فقط. وانطلاقا من الواقع المعيش، بالتالي الوصول إلى ذوق وإحساس المجتمع.
من اللوحات التي جلبت الاهتمام، هناك مثلا لوحة "الأمير"، التي رسمها بمناسبة عيد الفطر سنة 1967، وكانت في أجمل حلة تعكس الأصالة والتسامح الذي تبناه الأمير عبد القادر، ونال به تقدير العالم من خلال النياشين. لوحة أخرى للطفل الصحراوي الذي ينزل سلالم أحد القصور القديمة، وهي من عمق أصالة الجزائر، تجلب الزوار بكل مستوياتهم، وهي أيضا تثمين للتراث المعماري الصحراوي، حسبه، بالتالي للتاريخ والمستقبل أيضا، فالطفل يمشي ووالده خلفه يراقب آثاره، كرمز للاستمرارية والمحبة بين الأجيال.
سألت "المساء" الفنان، عن سبب ارتباط الجمهور الجزائري بالمدرسة الواقعية الكلاسيكية، فرد "تقاليدنا الخاصة بهذا الفن التشكيلي ليست قديمة، كما هو الحال مع بعض الدول الغربية، بل هي فن جديد عندنا، ظهر في القرن 19، بالتالي جمهورنا يتأثر بصورة تعكس واقعه وإحساسه وذوقه وفهمه لمعاني الجمال والأمل والطبيعة والحياة عموما، وبالتالي أنا أشتغل على هذا البعد، وأرسم للجزائريين ما يتماشى وإحساسهم".
يستمر الفنان سيد أحمد حمداد في تثمين التراث، ليظهره للعيان كنوع من التحسيس تجاهه، مع تكريس مفهوم الهوية في أعماله، والاهتمام بأسلوب تشكيلي أكثر أصالة، واختيار لغة فنية وجدانية معبرة عن رقي وجمالية الماضي الجميل.