الفنان المغربي عبد الحق الزروالي لـ"المساء":

لم نمنح المسرح وظيفته الحقيقية في بناء الإنسان

لم نمنح المسرح وظيفته الحقيقية في بناء الإنسان
  • القراءات: 742
حاورته في بجاية: دليلة مالك حاورته في بجاية: دليلة مالك
يرى الفنان المغربي؛ عبد الحق الزروالي، أن المسرح لم تمنح له الوظيفة المنوطة به في هندسة مجتمع واع وبناء الإنسان، فضلا عن وظيفته في تقديم الفرجة وأوقات للتسلية والترفيه، وكشف عن أنه يحضر لعمل ثنائي يجمعه بالممثلة الجزائرية ريم تاكوشت، كما كانت له جملة من الآراء عن المسرح العربي والجزائري، تحدث عنها في هذا اللقاء.

^ شاركت في الدورة السادسة للمهرجان الدولي لبجاية، بعمل مسرحي كتبت نصه، وهو "نقطة الصفر" وأخرجه التونسي جهاد يحياوي، ألا تفكر في تجسيد عمل مشترك مع مسرحيين جزائريين؟
^^ نعم، هناك عمل مشترك مع الممثلة ريم تاكوشت عنوانه "انصراف العشّاق"، عودة الزمن الغابر لقصة قيس وليلى إلى الوقت الراهن، والنص جاهز وسنقدم عملا ثنائيا بأداء دور قيس.

^ ما مدى معرفتك للمسرح الجزائري؟ وكيف تقيمه؟
^^ أعرف المسرح الجزائري منذ سنة 1972، أي منذ 42 سنة، رأينا أعمال عبد القادر علولة (مسرحية الخبزة)، وأعرف عبد الرحمان كاكي ومصطفى كاتب وصونيا وزياني شريف عياد، أرى دائما أن هناك إمكانات وطاقات ومواهب وكفاءات المسرح موجودة، ومعاهد وفرق جهوية ومهرجانات، هذه كلها تبيّن أن هناك اهتمام بهذا المجال، لكن الخلل ليس فقط في الجزائر بل في الأقطار الأخرى، وهو أنّنا لم نضع المسرح في المكان المناسب، ونعتبره مجرد فرجة وتسلية وتهريج ولم نمنحه وظيفته في بناء المجتمع والإنسان معا.

^ وما هو السبب في إفراغ المسرح من وظيفته الحيوية في صقل شخصية الناس؟
^^الدول وأصحاب القرار وراء ذلك، فوظيفتهم تعليم الأطفال في الابتدائي والإعدادي والجامعي، مثل الطفل الذي يحب كرة القدم، فمنذ أن يفتح عينيه وهو يمارس هذه اللعبة في المنزل وخارجه، نراها على شاشة التلفزة يوميا أيضا، حيث يركّز الفرد اهتمامه بالكرة فقط على حساب الشعر والرسم والموسيقى الراقية، هذه الفنون أصبحت كلها مهمشة، يريدون خلق إنسان سطحي، يتأثّر بالدغدغات الجسدية وليس الروحية، كأنّنا مقبلون على زمن يكون الإنسان خلاله مجرد رجل آلي لا يملك هوية ولا ضمير، الغربيون يؤمنون بأنّ المسرح هو الذي يصنع التطور التكنولوجي والعلمي والاقتصادي، فهم يركّبون إنسانا مشبّعا بالفكر والشعر والثقافة حتى يواكب العصر الذي نحن فيه، لكننا للأسف الشديد، وبسبب القدرة الشرائية الضعيفة للمواطن والتعبئة النفسية والروح الفكرية المنعدمة، فهو كائن بدون قيم، والمسرح يعلم الإنسان المبادئ والشخصية.
أوطاننا لا ترغب في مثل هذا الكائن، وإنما تريد شخصا يقوم برياضة رفع الأثقال لملء جسمه وليس أشخاصا يعرفون ما هو الفكر، وما هي الثقافة والفلسفة، أنا لا أتحدّث عن الجزائر فقط، بل كلّ الأقطار من الخليج إلى المحيط دون استثناء.

^ اشرح لنا أكثر ماذا تقصد؟
^^في أوروبا، الطفل في الروضة يشاهد المسرح، وكذا في الابتدائي، الإعدادي والثانوي، فيكبر على الشغف بالمسرح، نحن مشغولون بكرة القدم، الطفل لدينا لا يرى والده يشتري جريدة، فيكبر ولا يشتريها هو الآخر،  فهذا الجيل مظلوم لأنّه لم يتلق في طفولته التكوين والتوجيه اللازمين كي يكون إنسانا شغوفا ومحبا للمسرح، كما أن فتح دور الشباب والثقافة مجانا خطأ، يجب أن يتعوّد الطفل منذ الصغر على دفع ثمن التذكرة ويلبس مثلا حذاء صالحا للمسرح ولا يسبب ضجيجا، هي تركيبة تحتاج إلى دراسة شاملة لوضع المسرح في القياس المناسب له، ووضع قنوات التوعية بأهميته وتربية الناس عليه حتى تعود إليه هذه القيمة الضائعة، أمّا في ظلّ ما نحن عليه الآن، فالناس يشاهدون كرة القدم طوال اليوم، وهذا لن يؤدي إلى شيء، نحن من أجل أن نبرمج عرضا مسرحيا، أصبحنا نبحث في البرنامج إذا كانت هناك مباراة في نفس وقت العرض، وهذه إرادة من أجل إفراغ الناس من كل الاهتمامات الأخرى، الاقتصادية، السياسية، العلمية والثقافية وغيرها.

^ ما هي مشكلة المسرح العربي بالضبط؟
^^ كلّ معاهد المسرح في دولنا، بما فيها أكاديمية الفنون بالقاهرة التي تعد الأولى بالنسبة للمسرح، وكلّ المعاهد الأخرى في البلدان الأخرى، منحونا سينوغرافيين ومخرجين وممثلات وممثلين وفنيين في الديكور والإضاءة والصوت والصورة، باستثناء كتاب النصوص، لماذا؟، لأنّ الخطة مدروسة من أجل قتل المؤلّف والكاتب والموضوع، وحاليا يقومون بأعمال شبيهة بأعمال السيرك والملاهي الليلية من دخان وإضاءة ورقص وصراخ.. أنا مع مسرح الصورة، لكن شريطة أن تركّب هذه الأشياء على نص جيد ومضمون وفكر تجتمع فيه الثقافة والفلسفة ويكون عامرا، أما أن تأتي بحركات وإضاءة ورموز وغاز، فهذا ينفر الناس من المسرح.

^ بين التشبّث بالأصالة ومواكبة أدوات العصرنة، هناك إشكالية كبيرة تطرح؛ كيف للمسرح الجمع بينهما؟
^^ إذا كان لابد أن نحيي التراث والأصالة، يجب أن تتحدث المضامين عنا وبلغة نفهمها، لكن بأدوات محترمة وإمكانيات بحد كرامة المبدع، ينتهي من دوره، يركب سيارته ويمشي، حيث تتوفد لديه كلّ الشروط اللازمة للإبداع من تأمين وتقاعد.

^ ماذا نفعل لحل هذه المعادلة؟
^^ ينقصنا الاعتراف، لأن كل الأنظمة التي حكمت هذه البلدان منذ الاستقلال إلى يومنا، لها مشكل مع الثقافة والمسرح بصفة خاصة، وتعرف خطوطه بأنّه فن صعب لذلك لا تريد أن يكون له أجنحة ووقفة كبيرة ويحضى باحترام الناس، وأفراد كبار، والشعب يمكن أن يجعلهم رموزا، حيث يجعل صورهم في بيوتهم، هم يريدون احتكار النجومية والإمكانات، وحرمونا حتى من حقّ التواصل مع الشعوب.

^ أنت تذعن في وصف وضع معروف للمسرح العربي دون أن تذكر السبب؟
^^ انظروا إلى ميزانية وزارة الثقافة في دولنا، وقم بمقارنة مع الميزانيات المخصّصة للثقافة في البلدان التي سبقتنا وهي متقدّمة في المسرح، ستكتشفون السبب، المشكل في الاعتبار وفي الإمكانيات.
صحيح أن هناك أموال تصرف، لكن ترشيد هذه الأموال والميزانيات، هل تصرف في صلب جوهر الموضوع أو في مجرد مظاهر، الجوهر هو أساس بناء مسرح ووضعه في القمة بعد سنوات، ونضع له كلّ الدراسات والإمكانات اللازمة من أجل الوصول إلى نتيجة، ولو لا هذه المهرجانات لأصبحنا عابرين ولا أحد سيذكرنا، حتى هذا الاعتزاز وصور الفنانين المعلقة حاليا لما كانت، هذه المهرجانات تنفض الغبار عن هذا المجال، وهو المسرح.