في سهرة احتضنها المسرح الوطني
"للثقافة عنوان"...والجزائر عاصمة الذاكرة الحسانية

- 124

في قلب الجزائر العاصمة وتحت قبة المسرح الوطني الجزائري "محيي الدين بشطارزي"، عانق جمهور الثقافة الحسانية نغمات السلم والوئام، في سهرة جمعت بين الشعر والموسيقى والذاكرة المشتركة. وأكّدت، من جديد، أن الثقافة الحسانية ليست مجرد تراث، بل نبض حيّ يوحِّد الشعوب.
السهرة التي أقيمت أول أمس احتفاءً بتتويج الجزائر عاصمة للثقافة الحسانية، افتُتحت بأداء مؤثر للفرقة الوطنية للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، التي صدحت بصوت السلام في العالم من خلال أنشودة "للثقافة عنوان.. وئام بلا حدود"، فالثقافة الحسانية وإن وُلدت في عمق الصحراء، فإنّها في حضرة الجزائر، أعادت تشكيل ملامحها، لتقول للعالم: "نحن هنا... ولنا عنوان السلام بلا حدود".
الأغنية بإيقاعها الخفيف وكلماتها الدافئة، تمايل معها الحضور، وصفّق لها بحرارة، في تعبير صادق عن توق الجميع إلى زمن تُغني فيه الثقافة عن السلاح، وتُعيد للإنسان كرامته.
ضيفة شرف الأمسية الفنانة نورة يوسف همد فال، التي كانت صوت موريتانيا النابض، الذي عبر الصحراء ليصل إلى جمهور العاصمة. وقدّمت نورة وصلات من الأغنية الحسانية الموريتانية، بأدائها الصادق، والصوت العذب. تبعتها قراءات شعرية، خصّت فيها الجزائر بمدح رفيع، رافعة قيمها الإنسانية إلى مقام النور. وفي نفس السياق، اعتلى الشاعر الموريتاني شرف ولد السيد، المنصة، فاختار الكلمة كوسيلة للتقارب. وعبّر عن عمق العلاقات بين الجزائر وموريتانيا، وكيف تُترجم الثقافة ما تعجز عنه السياسة أحيانا. كانت كلماته بمثابة جسر من ذهب، يصل بين ضفتي الشوق والانتماء.
ومن جانبها، فرقة "أروان" القادمة من تندوف، أضافت طابعا صحراويا أصيلًا إلى الأمسية، بأهازيجها التراثية التي لامست وجدان الحاضرين. وكانت مشاركتهم دعوة ضمنية للعودة إلى الجذور، ورد الاعتبار لثقافة عريقة، لطالما قاومت التهميش، والنسيان.
وحضر هذا الحدث الثقافي وزراء الثقافة في كلّ من الجزائر، زهير بللو، والجمهورية الإسلامية الموريتانية الحسين ولد مدو، والجمهورية الصحراوية موسى سلمى لعبيد، في مشهد يوحي بأنّ الثقافة لم تعد، فقط، وسيلة للتعبير، بل أداة للتقارب، والتضامن.
وفي هذه الأمسية لم تكن الجزائر، فقط، حاضنة للثقافة، بل كانت قلبا نابضا بالذاكرة الجماعية، ووجها للجنوب الذي يرفض أن يكون منسيّا. عاصمة الثقافة الحسانية لا تعني، فقط، الاحتفاء بلغة وأهازيج، بل اعترافا بهوية تستحق أن تُروى، وتُكتب، وتُحفظ.