معرض "الاستقلال" برواق عسلة

لقطات متلاحقة للحظة حرية

لقطات متلاحقة للحظة حرية
  • القراءات: 1092
 مريم.ن مريم.ن

تلتقط الصور مراسيم عرس الجزائر يوم استقلالها في الخامس جويلية 1962، حيث تتوالى تفاصيل التحضيرات، وتعبّر الفرحة عن نفسها مبتهجة بهذا اليوم الذي انتظرته الأجيال ليتحقق الحلم ويتجسد عبر الشوارع والأزقة والبيوت وكأنه عرس واحد يحضره شعب واحد والعروس فيه هي الحرية.

صور نادرة يكتشفها الجمهور لأول مرة، بعضها بالأبيض والأسود وأخرى بالألوان مطبوعة على لوحات كبيرة يخيل للناظر إليها أنها بروح تتحرك أمامه ويكاد ضجيج المحتفلين وهتافهم يدوي قاعة العرض.

تتواصل برواق عسلة حسين فعاليات المعرض الفوتوغرافي الجماعي للصور الملتقطة عشية استقلال الجزائر، بعضها من توقيع مجهولين وأخرى صوّرها كل من بسة أحمد، زين ومحمد كواسي.. وتبرز كلها مدى فرحة الجزائريين بتحقيق النصر واستعادة الحرية والكرامة على الرغم من الأهوال التي بقيت عالقة في الذاكرة والوجدان.

يوقّع الفنان المصوّر بسة أحمد زين، صورا بالأبيض والأسود، من بينها صورة لأطفال يمتطون سيارة ويلوّحون بأيديهم فرحا بهذا اليوم السعيد.

صورة أخرى لفتيات في عمر الزهور خرجن بكامل أناقتهن يتنسم فيهن الناظر رائحة العطر الجزائري الذي غطى رائحة الدم والدموع التي عاشتها حرائر الجزائر اللواتي كن يرتدين أجمل ما في خزائنهن للاحتفال بالعيد، وغير بعيد عرضت صورة أخرى تبرز نزول الجنود الشباب التابعين لجيش التحرير إلى العاصمة وكيف التحموا بالجماهير المرحبة وانهمكوا في التحضيرات وأغلبهم لا يتمالك نفسه من الفرح وهو دليل على تلاحم الجيش بالشعب مما حقق النصر الذي صنعه الجميع وفرح له الجميع أيضا.

إلتقط الفنان صورا أخرى، كان من ضمنها شباب يحملون الراية الوطنية التي غالبا ما تكون بالحجم الكبير وكان هؤلاء يلوحون بها اعتزازا وفخرا، وفي صورة مجاورة تظهر النسوة بالحايك الأصيل في مسيرة منظمة متجهات إلى مكان الاحتفال متراصات الصفوف وكأنهن يذهبن نحو غد مشرق وواعد غير ذلك الذي كان بالأمس تحت وطأة المستعمر لذلك لم تكن واحدة لتلتفت إلى الوراء وكانت خطواتهن تبدو عملاقة.

حضرت في الصور مواكب السيارات والدراجات النارية والشاحنات والعربات التي تعبأ بجموع المحتفلين الهاتفين أو الراقصين أو حتى العازفين بجنون ألحان الحرية وأغاني الفرح، كان الازدحام باديا بجلاء ويكاد الناظر يسمع من خلال الصور أصوات منبهات السيارات التي لم تكن تزعج أحدا تماما كما في الأعراس بل كانت كـ"الزغرادات" المعلنات عن بدء الأفراح والليالي الملاح.

الفنان بسة له رصيد طويل مع الصورة ومع الإنتاج السينمائي حيث شارك في العديد من الأفلام كمصور البلاطو ومدير التصوير، ومن ضمن الأعمال التي شارك فيها نجد فيلم "الليل يخاف من الشمس" للمخرج مصطفى بديع، ومن تمثيل مصطفى كاتب، بوعلام رايس، سيد أحمد أقومي، نورية، ياسمينة وحطاب بن يوسف وغيرهم.

تحدث محمد كواسي في هذا المعرض بلغة الصورة، علما أنه كان المسؤول عن مصلحة التصوير بوزارة الإعلام للحكومة المؤقتة سنة 1958، محمد كواسي، الملقب بمصوّر جبهة التحرير، قدم فرحته كجزائري عايش لحظة الاستقلال، فكان شاهدا حيا وهو الذي شهد أيضا مرحلة كفاح مرير وقبلها نضالا سياسيا حين كان منخرطا في حزب الشعب.

الفنان الذي رحل عن الدنيا في 27 أوت 1996، قدم مجموعة من الصور، منها حشود المحتفلين الذين سدوا الشوارع وكأنهم رجل واحد من ذلك شارع باب عزون الذي غصت به جموع البشر والأعلام. 

تتوالى الصور منها تلك الخاصة بنساء امتطين سقف السيارة ويحملن الأعلام وأخرى لجنود هتفوا في الشوارع، وتفاصيل أخرى التقطتها عدسة الراحل محمد كواسي.

كواسي وُلد بالبليدة سنة 1922 وترعرع بحي القصبة، ثم بولوغين واندمج في فرقة المسرح لجبهة التحرير الوطني من سنة 1958-1962؛ حيث جاب مخيمات اللاجئين وقواعد جيش التحرير الوطني. وقد شغل الراحل بعد الاستقلال إلى غاية 1969، منصب نائب مدير بوزارة الإعلام مكلف بمكتب التصوير، ثم أصبح مصورا حرا. كما عُرضت أعماله بالجزائر ويوغسلافيا سابقا وباريس وبمدينة أرل في سنة 1995، نُظم له معرض بالمركز الثقافي الجزائري بباريس.

وقدّم الفنان في مشواره الفني العديد من الشهادات عن الثورة التحريرية من خلال التقاطه صورا لمجاهدين غير معروفين وآخرين قياديين مثل محمد بوضياف وأحمد بن بلة وحسين آيت أحمد. كما سبق له أن صوّر "أيتام الحرب" التي التقطها في الحدود وصور "أقسام الدراسة" للأطفال اللاجئين، إضافة إلى صور التقطها خلال مختلف اجتماعات الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية برئاسة فرحات عباس، ثم بن يوسف بن خدة قبل استرجاع السيادة الوطنية.

ضم المعرض أيضا صورا ملوّنة التُقطت من طرف مصورين غير معروفين، أضفت بألوانها هالة خاصة معبقة بالذكريات الجزائرية الخالصة ورصدت كلها الدقة في إبراز تعابير الوجه وبعض تفاصيل الأمكنة، كما صور بعضها من فوق المباني.