في أول وثائقي يدخل منافسة “فيكا”

لافي عبود يقدّم "حمص.. قصة سلب"

لافي عبود يقدّم "حمص.. قصة سلب"
  • القراءات: 663
نوال جاوت نوال جاوت

استُهلت المنافسة الرسمية للدورة الحادية عشرة من مهرجان الجزائر الدولي للسينما في فئة الأفلام الوثائقية، بـ "حمص.. قصة سلب" (إنتاج فلسطين- سوريا-ألمانيا- قطر 2020)، بحضور مخرجه عبود لافي، أول أمس، بقاعة "ابن زيدون" برياض الفتح، حيث قدّم اليوميات المقدسية في ظل الاحتلال الإسرائيلي، الذي ما فتئ يحاول الانغراس في الأرض الفلسطينية بكل الوسائل والطرق، متخذا من الهمجية والغطرسة سبيلا لتهويد كل ما هو فلسطيني، ومحاولا أن يجد لنفسه سببا، ولو بسيطا، يبرر به تواجده بوطن لا ينتمي إليه، ولا يمكن أن ينتمي إليه؛ لأنه المعتدي والمغتصب؛ بداية من الأرض، إلى طبق "الحمص"

"الحمص"، بالنسبة للافي عبود، لا يتعلق بأكلة، ولكن بأمة، وشعب "ليس لديه ما يخسره سوى أرضه وكرامته"، وبنص قوي، مزج بين شهادات عدد من سكان القدس المحتلة، وذكرياته في مدينة يعود إليها لأول مرة بعد 35 سنة من التهجير، حاملا معه مشاعر متضاربة، وأسئلة لم يجد لها أجوبة.  وفي رحلة العودة، تناول المخرج بكثير من التأثر، معاناة المقدسيّين أمام الأساليب الصهيونية لمحو كل أثر لفلسطين؛ بداية من التهجير، إلى الإبعاد الإداري، وصولا إلى الإخلاء القسري للمنازل، وهدمها، وكذا تبرير الاستيلاء على مقومات الهوية الفلسطينية، وبات طبق "الحمص" بالنسبة لأهل القدس، مسألة "وجودية".

ووسط الأكاذيب الإسرائيلية ومساعي الصهاينة تهويد "الحياة الفلسطينية"، ينقل لافي متجولا بين أزقة القدس وحاراتها، صوت سكانها ومعاناتهم اليومية واستبسالهم؛ كي تبقى مدينتهم عربية الروح، فلسطينية الوجود، فالتقى الشاب الثائر سامر، الذي لا يهدأ له بال، ولا يكلّ عن المطالبة بالحرية والانعتاق؛ كنموذج لفلسطينيّي الداخل، الذين يقاومون للحفاظ على الوطن والهوية. وبكثير من الحسرة الممزوجة بالغضب، يرافع باسل عن التفاصيل الفلسطينية التي ينسبها المحتل لنفسه؛ في محاولة لأخذ مكان أصحاب الأرض. "حمص، قصة سلب" هي سبيل لافي لفضح فيض من الخبث الإسرائيلي، ومناوراته الدنيئة لطمس معالم الهوية الفلسطينية، وقبر روح الانتماء إلى الأرض والوجود، فالتقط صورا حية لآلة القمع الصهيونية، واحتكاك المقدسيين المباشر، يوميا، مع المحتل؛ لا لشيء سوى الحفاظِ على الأرض والهوية. وهناك من دفع الثمن سجنا، وإبعادا إداريا؛ كسامر، وغيره كثيرون، ولكن هناك من مات قهرا على محل أو بيت أُجبر على إخلائه بعد أن قاوم لسنين طويلة؛ على غرار "أبوفلاح"، الحداد الذي تمسّك لخمسة عشرة سنة، بدكانه بالمدينة القديمة، ووقف في وجه الابتزاز والمساومة إلى آخر نفَس، فتخلى عن عائلته، ولم ير أبناءه يكبرون، لكنه لم يتخلّ عن محله ليوم واحد، إلى أن تمكنت منه الأساليب الصهيونية، وانتُزع منه محله، فلم يتحمل البعد عن مكان يربطه بمدينته وقضيته، ومات قهرا.

للإشارة، لافي عبود صانع أفلام، ومصور سينمائي، ورجل أعمال. كان على مدار أكثر من 20 عاما، في طليعة الإنتاجات الإعلامية المبتكرة متعددة التخصصات؛ من التأثير الاجتماعي، والأفلام الوثائقية لزيادة الوعي، إلى مقاطع الفيديو الخاصة بالشركات، ومعارض الصور. جعله عمله ينتج صورا مذهلة؛ من صحاري شبه الجزيرة العربية، إلى البرد القارس في القطب الجنوبي، ومن الغابات الاستوائية المطيرة، إلى الأدغال الخرسانية.  سافر لافي، أيضا، في جميع أنحاء العالم لتنفيذ العديد من المشاريع الإبداعية، والتي تعكس جميعها التزامه الثابت بإحياء القصص التي لا تُروى. ولأنه يحافظ على كرامة الإنسان في صميم عمله، فإن مشاريعه تدور حول القضايا الاجتماعية. وتشمل بعض مشاريعه المميزة، معارض للصور والفيديو؛ على غرار الأطفال في مخيمات اللاجئين السوريين، والصحة العقلية، والوصمات المرتبطة بها في الشرق الأوسط، والاتجار بالبشر في نيبال، وأطفال الشوارع المهجورين في إثيوبيا، فضلا عن عرض ثقافي لشعب باجاو لاوت في بورنيو، وتهميش الأمريكيين الأصليين في الولايات المتحدة، وكذا المناخ السياسي المتغير باستمرار في الشرق الأوسط وتأثيره على القبائل الأصلية في سيناء، والقدس كموقف نهائي للفلسطينيين، وتحديات ضمان التعليم للجميع في الأحياء الفقيرة في الهند.