العرض الشرفي لفيلم "حلال مصدّق" لمحمود زموري

كوميديا سوداء تدين التقاليد البالية

كوميديا سوداء تدين التقاليد البالية �
  • القراءات: 773
مريم / ن  � مريم / ن

قدّم المخرج محمود زموري أمس بقاعة الموقار، العرض الشرفي لفيلمه الجديد "حلال مصدّق" الذي يتناول حرية المرأة في مجتمعنا، ويكشف عما تعانيه بسبب تحجّر الأفكار البالية، التي غالبا ما تنال من إنسانيتها كفرد كامل الحقوق. الفيلم يعالج ظاهرة الإفراط في ربط المرأة بشهادة العذرية وما ينتج عن ذلك من تبعات، أهمها التضييق والمتاجرة في زواج البنات من أجل إثبات شرفهن، علما أن الفيلم في كل هذا يلتزم الأسلوب الساخر (كوميديا سوداء)، ويبتعد تماما عن الخطاب المباشر.

تظهر المشاهد الأولى للفيلم لتبرز الديكور الطبيعي لمنطقة بسكرة، خاصة من الشمال الذي يلتقي بجنوب منطقة الأوراس (منها منطقة مشونش مثلا)، والتي أقل ما يقال عنها إنها تحفة ربانية ليس لها مثيل عبر العالم، كما أشار إلى ذلك المخرج أثناء حديثه إلى "المساء". وفي هذه الأثناء تصعد كتابة صفراء، تشير إلى أن الأحداث تدور بمنطقة سيدي خليل ببسكرة.

يخصص المخرج لقطات لمراسيم خطوبة تقليدية، وكيف أن ولي العروس يعطي لنفسه الحق في التفاوض والتلاعب بمهرها، غير مكترث برأيها، لتُقرأ الفاتحة مباشرة بعد الاتفاق.

في الضفة الأخرى من المتوسط وبالضبط في الضواحي الباريسية، تعيش أسرة جزائرية لاتزال متمسكة ببعض تلك التقاليد، خاصة تلك المتعلقة بالمرأة، الأمر الذي تثور له ابنتها الجامعية المثقفة رفقة زميلاتها، ويقررن النضال في هذا الشأن. وذات مرة تصوَّر الفتاة تلفزيونيا في أحد الاجتماعات وهي تخطب في الحشود، فتصاب أسرتها بانتكاسة باستثناء الجدة. ويذاع خبر "العار" في كل الحي، ليقرر الأخ "الشاب المتدين" تزويجها في الجزائر، وكان ذلك خفية عنها وعن طريق السكايب، وهنا يتم التفاوض مع العروس القروي "البڤار"، الذي يكون في مزاد خاص بالمواشي، ولأن الفتاة حتما سترفض هذا الزواج البدائي يستعين الأخ بأصدقائه بفرنسا وآخر يقيم بالجزائر، كان فيما مضى مغتربا (الفنان الكبير إسماعيل)، وتجري المؤامرة عندما يوضع للأخت كنزة منوّما، وتدخل مطار الجزائر كمعوّقة، ليقام العرس بعد ذلك.

العروس رجل مزواج سرعان ما يمل من زيجاته، ليفكر في مغامرات أخرى، ويرى أن مادام ماله موجودا فإن له كامل الحق في أن يختار أي فتاة يريدها حتى ولو رآها لثوان من على إحدى الشرفات، علما أن الدور أداه الفنان الفكاهي عمر طايري، وكان متمكنا منه.

موكب عرس كنزة الفتاة المغتربة اختلط بموكب عرس آخر، كان ذلك عند ضريح ولي القرية، الذي تشترط تقاليد الأعراس بالمنطقة أن تلف حوله المواكب 7 مرات، وعندما يُكتشف الأمر؛ أي أن العروسين ذهبت كل منهما مكان الأخرى تحدث الطامة، وتتحول الاحتفالات إلى خصام ومعارك ضارية بين المدعوين.

ومع تغيير الزوج وانسحاب الآخر يفرح والد العروس القروية سلطانة، ويستشهد بقانون الأسرة في مادته الـ 16، التي تجعل لوالد العروس الحق في 50 بالمائة من المهر في مثل هذه الحالات، بينما تصاب الأم بالعلة (الفنانة القديرة فاطمة حليلو).

يُبرز الفيلم ـ من خلال حوار راق وساخر، جعل من الحضور يقهقهون في أغلب المشاهد - النفاق الاجتماعي والتدين المصطنع والسطحي الذي لا يظهر إلا إذا تعلّق الأمر بالمرأة؛ بمعنى أن الرجل يحكم على المرأة وأخلاقها وشرفها ويتناسى نفسه التي يبيح لها كل المنكرات مادام هو السيد في هذا المجتمع الساذج المغلوب على أمره، كذلك فإن النفاق يشتد عندما يتعرض الإنسان للضغط والخوف والحاجة.

لكن في النهاية تنتصر العدالة الإلهية على قوانين البشر الجائرة، وتتضامن العروسان سلطانة وكنزة، ويرجع بونعجة إلى حبيبته، ويكتشف الأخ التدين الزائف الذي فرضته ظروف قهرية، قضت به على سماحة ونقاء الإسلام.

للتذكير، فإن الفيلم من إنتاج الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي وأفلام فنيك وأنتينيا للإنتاج، أما السيناريو فكان لماري لورانس عطية ومحمود زموري، والأدوار أدتها كوكبة من الفنانين، منهم حفصية حرزي ومراد زيغندي وإسماعيل ونادية كوندا وفاطمة حليلو والعمري كعوان والشابة يمينة وغيرهم.