الناشط الثقافي عبد الرزاق بوكبة لـ"المساء":

"كفاءة".. "الهدرة" في الميدان

"كفاءة".. "الهدرة" في الميدان
  • القراءات: 717
حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

يحتفي الناشط عبد الرزاق بوكبة، بمرور 25 سنة على انخراطه في العمل الثقافي، وبما أنه يسير وفق مبدأ "الهدرة في الميدان"، فقد أنشأ في الآونة الأخيرة، شبكة "كفاءة الثقافية"، التي سرعان ما وجدت نفسها في الميدان، تسير كالرجال، رغم أنها مثل الجنين، بالكاد عرفت النور.."المساء" اتصلت ببوكبة، وطرحت عليه مجموعة من الأسئلة حول نشاطه الثقافي الميداني وانخراط عائلته فيه، وكذا إنشائه لشبكة "كفاءة" وانسحابه من جمعية "فسيلة"، ورغبته في جعل ولاية برج بوعريريج قطبا ثقافيا بامتياز، فكان هذا الحوار.

ما الجديد الذي تبتغي إضافته إلى الساحة الثقافية، بإنشاء جمعية "كفاءة"، علما أنك تناضل منذ زمن بعيد في الحقل الثقافي؟

❊❊ مر ربع قرن بالضبط على انخراطي في العمل الثقافي؛ أي ما يفوق نصف قرن من عمري. بعضه داخل العمل الجمعوي، وبعضه كان عملا شخصيا حرا، وبعضه داخل مؤسسات ثقافية وإعلامية..إنها تراكمات وخبرات وتجارب ستكون سندا لي في تجربة مشروع شبكة "كفاءة"، التي ستسعى إلى تكريس نموذج يمكن تعميمه وطنيا، للعمل الثقافي التطوعي. إذ علينا الاعتراف بكوننا لا نملك نموذجا في هذا الباب، لا على مستوى المنصة الثقافية الحكومية، ولا على مستوى المنصة الثقافية المستقلة؛ وهذا مؤشر على أننا بصفتنا مجموعة وطنية، لم نستفد من تجاربنا السابقة في العمل الثقافي، ولا نستشعر بما يكفي، أهمية هذا الأخير في تحصين حاضرنا ومستقبلنا. وأنا هنا لا أقصد نموذجا واحدا يدعي كونه الأفضل والأنجع، بل أقصد نماذج متعددة من طرف جهات متعددة، لكنها تلتقي كلها في تقديم أفعال ثقافية، تملك القدرة على صناعة وعي جمالي عام.

كيف سيكون هذا النموذج؟

❊❊ ألا نملك 58 ولاية على مستوى الجمهورية؟ هل نملك نموذجا واحدا يصلح لأن يُعمم على ولاياتنا، بما فيه الجزئية المتعلقة بخصوصية كل ولاية؟ لا نملك ذلك. وما هو موجود مجرد إملاءات فوقية من الوصاية، واجتهادات لبعض النشطاء، يصب معظمها في بحيرة إحياء المناسبات، فهي فقاعات ثقافية قد تلفت الانتباه مؤقتا، لكنها لا تترك أثرا. كل نشاط ثقافي لا يترك أثرا ليس جديرا بأن يُسمى فعلا ثقافيا؛ ونحن مطالبون بالانتقال من التنشيط إلى التفعيل، حيث يصبح العمل الثقافي مساهما في خلق حياة عامة متوازنة نفسيا وفكريا وذوقيا وسلوكيا. لذلك سنعمل على تكريس هذا النموذج، من خلال ولاية برج بوعريريج التي نراها جديرة بأن تكون حاضنة للتجربة. وسنكرسها فعليا عاصمة ثقافية وطنية، بمنحها كل أسباب الجدارة.

ماذا عن الولايات الأخرى؟

❊❊ سنبني شراكات ثقافية حقيقية مع الهيئات والمبادرات والجمعيات الجادة والميدانية في معظم الولايات. وصولا إلى تشكيل إطار وطني للعمل الثقافي المشترك. 

لماذا اخترت اسم "كفاءة" تحديدا لجمعيتكم الجديدة؟

❊❊ لأن الشبكة ستعتمد على الكفاءات في التفكير والتخطيط والتسيير والتسويق. وستنسق مع المشاريع المشابهة لها في القيام على الكفاءة، وصولا إلى تكريس نخبة ثقافية وطنية، تستمد مصداقيتها من الكفاءات لا الولاءات، بما يمنحها القدرة على  إنتاج الجمال والدفاع عنه ورعاية وحماية الرهانات المتعلقة بالأمن القومي الثقافي. كل حقل لا يقوم على الكفاءة، يصبح مرتعا للفساد والرداءة.

كأنك غير راض عن واقع التعيينات في المؤسسات والمواقع الثقافية المختلفة؟

❊❊ حين نصل بصفتنا مجموعة وطنية، إلى إدراك أهمية العمل الثقافي في تحصين لحظتنا الوطنية القائمة والقادمة، فإننا آليا، سوف لن نعين مسؤولا ثقافيا مهما، كانت مسؤوليته بسيطة، بناء على معايير تبتعد عن معيار الكفاءة والجدارة.

مباشرة بعد إنشائك للجمعية، بدأت نشاطك في الميدان، ممكن تفاصيل حول ذلك؟

❊❊ حتى نكون في مستوى الشعار الذي اخترناه، وهو "الهدرة ميدان". لسنا محتاجين للانتظار، لأننا نملك الخبرة والتجربة الكافية التي تؤهلنا للانطلاق مباشرة، ثم لعله الشغف استعجلنا. إذ لا حركة لغير الشغوف.

ما مصير جمعية "فسيلة" التي كنت أبرز وجوهها، وجعلتها في صدارة الجمعيات الثقافية النشيطة والبارزة؟

❊❊ يمكنني أن أحدثك عن ماضي جمعية "فسيلة"، لأنني كنت مساهما في أمجادها؛ فقد مضى علي عامان وأكثر، كنت أفكر خلالهما في مصالح "فسيلة"، وفي سبل جعلها في الصدارة أكثر من تفكيري في مصالح أسرتي؛ وتزامن ذلك مع مرض المرحومة أمي، أما عن مستقبلها، فلا أسمح لنفسي بالحديث عنه، في ظل استقالتي منها، فأنا الآن غريب عنها تنظيميا، وفي ظل وجود من هم مسؤولون عنها، حيث أنتظر منهم الحفاظ عليها وأتمنى لهم التوفيق في ذلك.

على ذكر أسرتك. هل تنوي إشراك بناتك بصفة أكبر في نشاطات الجمعية؟

❊❊ كانت أسرتي سندا لي في مساري الثقافي، فلطالما صبرت على غياباتي، وعلى احتضان ضيوفي، وعلى تخصيص شطر من المصروف للمشروع؛ رغم ندرة المداخيل الشخصية، بل إنها تنظيميا تتواجد معي في الميدان. وقد ورثت عني بناتي الشغف الثقافي الذي جعلهن متواجدات فيه. وسوف تبعث ابنتي نجمة بالتعاون مع أخواتها، مقهى خاصا بالأطفال، ضمن الروافد التي ستطلقها شبكة "كفاءة".

وماذا يتطلب العمل الميداني في مجال الثقافة من غير الإمكانيات المالية؟

❊❊ يأتي الصبر على الإكراهات والمكاره، وعلى ظهور الثمرة، في صدارة المتطلبات. فالناشط الثقافي الحقيقي يجد نفسه يوميا محل الإشاعة والتقول عليه، ليس من طرف بعض العاملين في القطاع الحكومي فقط، بل أيضا من طرف بعض المحسوبين على النخبة؛ ومحل استغلال الاستغلاليين وانتهازية الانتهازيين ومحل تهميش الإقصائيين، بالإضافة إلى ضرورة الصبر على المحيط العام الذي يرتب ما هو ثقافي، بعد ما هو استهلاكي؛ ولأنه يعاني فعلا في هذا الباب، فإنه لا يتقبل الحديث عن الثقافة بعيدا عن السخرية.