الكاتب عبد القادر خليل:

قطي أول من قاد الحراك وبوديسة مجاهد الثورة والاستقلال

قطي أول من قاد الحراك وبوديسة مجاهد الثورة والاستقلال
  • القراءات: 1526
لطيفة داريب لطيفة داريب

اختار الكاتب عبد القادر خليل، الطرفة والدعابة مطية لنقل أقوى الرسائل وأعمقها، عبر لسان القط قطيطو في روايتي كاتب عمود و«القط الأعرج. كما تحدث عن محطات من حياة المجاهد الفذ الصافي بوديسة الملقب بـ أحمد الماريكاني، بشكل سلس وممتع في كتاب آخر، قدمه رفقة كتب أخرى في سيلا24” عن داري نشر الحبر و«سارة، حيث التقت به المساء، فكان هذا الموضوع.

قال الكاتب عبد القادر خليل إن اختياره قطا للحديث بلسانه، مرده إلى أن الهر حيوان شفاف لا أحد يعيره اهتماما، في حين يمكنه هو التسلسل في أي مكان يريده، وبالتالي الفصح عن كل ما يجول في خاطره من دون أن يكترث بأي تهديد، خاصة في ما يتعلق بإمكانية سجنه.

قط يقود الحراك

وقص خليل علـى المساء قصة القط في رواية كاتب عمود أو المحقق الذي ينتبه لأدق الأمور ويقتحم أدنى الفضاءات التي تمكنه من الوصول إلى بعض الحقائق، والبداية حينما وجد نفسه في شاحنة بمقطورة، بعد أن لاحق سمكة رمى بها بائع الحوت، فاتخذ قرار قيامه برحلة عبر هذه الشاحنة، خاصة أنه أعزب لم يبرح مكانه قط.

وخلال رحلته إلى مختلف مناطق الجزائر، لاحظ الكم الهائل من المشاريع التي لم تنجز بعد. كما تحسر على حال الأراضي الخصبة التي فقدت بريقها أو تحولت إلى قطع لا علاقة لها بالزراعة. وتساءل كيف أنها لم تنجب لنا قمحا وحبوبا أخرى، و«دفعت بنا إلى استيراد القمح من فرنسا تحديدا؟ ويواصل القط رحلته عبر الشاحنة رغم معاناته من الطرقات المهترئة، ويجد نفسه في منطقة الهضاب رفقة نعجة، صديقته الجديدة التي نجت من سكين الذبح، وها هما يعاينان منطقة كانت في وقت مضى، غنية بثرواتها، إلا أنها أصبحت جرداء لا فائدة تُرجى منها.

«قطيطو عبد القادر لم يتوقف عند هذه الرواية، بل أصبح له دور في التاريخ من خلال رواية ثانية بعنوان القط الأعرج، حيث قام بالحراك سنة 2018؛ أي قبل الحراك الشعبي الذي تعرفه الجزائر. كما أصبحت لديه أم بالتبني، متمثلة في لالة سعدية التي فقدت طفلها وتعلقت بقطيطو أيما تعلق.

وفي يوم من الأيام، أراد قطيطو العودة إلى موطنه بمستشفى مصطفى باشا بالعاصمة، وتحقق ذلك بعد أن مرضت لالة سعدية وقصدت هذا المشفى تحديدا، وهناك التقى بأصدقائه القدامى، فقرروا القيام بمسيرة شعبية ضخمة، وجندوا لأجلها 200 ألف قط حسب تصريح جمعية مياو مياو، في حين قالت الحماية المدنية إن المسيرة ضمت فقط 80 ألف قط، لتتوقف مغامرات القط الذي نظم الحراك في انتظار صدور الرواية الثالثة لعبد القادر خليل، حول الحراك دائما لكن بشكل أعمق.

بوديسة من النضال السياسي إلى الكفاح الزراعي

في إطار آخر تماما، صدر لعبد القادر خليل كتاب عبارة عن شهادة عن حياة الصافي بوديسة، المجاهد ابن قصر شلالة، والمكنى بأحمد الماريكاني؛ نظرا لطلاقة لسانه باللغة الإنجليزية.

عبد القادر قال لـ لمساء إنه تعرف على بوديسة خلال نضاله من أجل تحقيق الأمن الغذائي؛ باعتبار أن الكاتب تقلّد عدة مناصب عليا في مجال الزراعة. كما ناضل بوديسة أكثر من خمسين سنة من أجل المشروع الهادف إلى بناء مدينة جديدة ببوغزول، تضم 850 ألف هكتار لكن من دون فائدة. وأضاف خليل أن بوديسة مجاهد صنديد وعصامي فريد من نوعه، كان والده قائدا في الجيش الفرنسي في الفترة الاستعمارية، إلا أنه استقال بعد أن شهد الظلم الذي يتعرض له أبناء جلدته. وحمل زوجته وأطفاله إلى البليدة. وبعد أن توفي وجد بوديسة نفسه مجبرا على إعالة عائلته، خاصة أنه تعرّض للطرد من المدرسة بعد ضربه لابن كولون احتقر صديقيه.

وواصل خليل الحديث عن بوديسة الذي اشتغل بائعا للبرتقال لصالح الأمريكيين والإنجليز القابعين بالقاعدة العسكرية لبوفاريك، بعدها التحق بصفوف الثورة، وحرر بن بلة ومحساس من السجن، ثم تحول إلى قائد لدائرة قالمة، بعدها انتقل إلى فرنسا واشتغل في شركة للسيارات، وأصبح رئيسا لنقابة المهاجرين التي تضم ألف عامل.

وعرفت حياة بوديسة الذي لازال على قيد الحياة، محطات مهمة أخرى، مثل تعرضه للسجن في باريس، وكونه من الأعضاء المؤسسين لاتحاد العمال الجزائريين، وكذا التحاقه بتونس، وتوفيره سبعة آلاف منحة دراسة في دول شرق أوروبا؛ نظرا لعلاقاته الدولية الوطيدة، وتأسيسه مدرسة للضباط، ليتخرج على يديه كل الجنرالات التي تقاعدت حاليا. أما بعد الاستقلال - يضيف عبد القادر - فعُين بوديسة وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية. كما أسس تعاونية فلاحية بالبليدة شدت أنظار شي غيفارا الذي تحدّث معه لأزيد من ثلاث ساعات عنها، أثناء مرافقته بن بلة رفقة كاسترو في زيارة إلى مدينة الورود سنة 1963، إلا أنه بعد الانقلاب العسكري الذي تعرّض له بن بلة، أخبر بومدين باعتزاله السياسة.

وذكر عبد القادر طرفة عن بوديسة الذي زاره على هامش ندوة وطنية بمشاركة مختص هولندي أمام دهشة الحضور؛ نظرا لتمسّك بوديسة بأصالته؛ فهو لا يغادر برنسه وشاشه أبدا. وبينما وضع جميع من كان في القاعة سماعة الترجمة لفهم ما يقوله الهولندي، لم يفعل بوديسة؛ فهو سي أحمد الماريكاني، وما زاد من استغراب الحضور وزاد الأمر طرافة حينما نهض بوديسة وأخذ الكلمة وتحدث بالإنجليزية. وفي الأخير قال بلغة يفهمها من كان حاضرا: رسالتي إلى الحمقى الذين استهزأوا بي، تعلموا اللغة الإنجليزية حتى لا تظهروا بمظهر الأحمق الذي لا يفهم شيئا.