العرض الشرفي لـ ”المادة 146” بالمسرح الوطني

قضية الميراث في عمق المأساة الإنسانية

قضية الميراث في عمق المأساة الإنسانية
  • القراءات: 1202
مريم. ن مريم. ن
تتحوّل "المادة 146" إلى مأساة اجتماعية تنخر العائلات التي تدفع بأبنائها إلى حافة الهاوية كي تضمن حقوق الميراث، وهي تسعى بكلّ ما تملكه من سلطة أبوية كي تقرر مصير أبنائها ولو تطلب منها ذلك الدوس على عواطفها، فالميراث قضية اجتماعية أصبحت هاجسا عند الكثير من العائلات الجزائرية، جسّدها طلبة المعهد العالي لفنون العرض ومهن السمعي البصري في عرض شرفي مسرحي بعنوان "المادة 146"، قدّم نهاية الأسبوع بالمسرح الوطني.

استمد عنوان العرض من مادة في قانون الأسرة الجزائري متعلّقة بحقوق الميراث، كما أنّ نص المسرحية الذي كتبه مخرجها وليد بوشياح مقتبس من رائعة "بيت برنادا ألبا" للراحل غارسيا لوركا، واكتفت المسرحية بثلاث شخصيات نسائية (بيت برنادا ألبا أكثر من 7 شخصيات نسائية) وهي؛ الأم زهور (العلوي غزال) والبنتان نوال وحياة (أحمادو زينب وكحلي لمياء) وحاولت المسرحية إعطاء بصمة جزائرية للنص.

الأم سيدة بيت مسؤولة عن أسرتها، تفقد زوجها فتعيش حالة حداد وتقرّر المحافظة على سمعة ابنتيها وعلى الميراث، يبدأ العرض وسط ديكور بسيط وتتجسّد الإضاءة في النافذة والباب الكبير على الخشبة، وهما بمثابة المتناقضان يمثلان السجن والحرية، الباب دوما مغلق بقرار من الأم كي تمنع ابنتيها من الخروج وتتجنّب مضايقات أهل زوجها المطالبين بالميراث.

تتميّز المسرحية باحتدام الصراع بين الأم وابنتيها، خاصة الصغرى، فهي تمنع عنهما الخروج والزواج وحتى نور السماء خوفا على الميراث، فزواج إحداهما يعني ضياع هذا الميراث الذي سينتقل خارج الأسرة، وبالفعل يتقدّم ابن العم لخطبة البنت الكبرى، لتصاب الأم زهور بالذعر وترفضه بحجة أنّه شخص طمّاع.

في لحظة ما تستسلم البنتان للأمر الواقع وتصبح النافذة ملاذهما للعالم الخارجي، يشكوان له الآلام والأحلام، لكن الحال يبقى على ما هو عليه وتعود البنتان إلى الأعمال المنزلية الروتينية التي لا تنتهي، فتستسلم البنت الكبرى لهذا الواقع عكس الصغرى المتمرّدة دوما والتي لا تكف عن تحريض أختها ودعوتها إلى التمرّد من أجل حياة أفضل، تبدأ بالانعتاق والزواج لتكوين أسرة كباقي البنات، وأثناء العرض، تعلو الأصوات ما عدا صوت الأم التي تحتفظ بهدوئها ورزانتها، كأن أعصابها في ثلاجة، من أجل أن تتحكّم في إدارة الأوضاع، وتستمر الأحداث والصراعات لتقرّر البنتان الخروج سوية من البيت للذهاب إلى الخالة وترك الأم وحيدة مذهولة تحاول بكبرياء أن تتجاوز الأمر، كأنّه لم يحدث، لتجلس في ذهول يكاد يشبه الجنون.

على هامش العرض، التقت "المساء" بالسيد ساسي العربي، مساعد المخرج الذي أكّد أنّ كلّ طاقم العرض من طلبة المعهد العالي لفنون العرض ومهن السمعي البصري (بعضهم متخرجون منذ سنوات)، كما أكّد أنّ المعهد سبق وقدم عدة عروض مع طلبته، منها "هاملت" و«عطيل" و«اليوم الأخير لمحكوم" وعرض خاص للأطفال بعنوان "الكنز الحقيقي"، مشيرا إلى أنّ التدريبات على المسرحية استمرت بالمعهد شهرا كاملا.

الممثلة لمياء كحلي التي أدت دور البنت الكبرى "نوال" أشارت إلى أنّ معاناتها كانت الأكبر في الأسرة. وحرصت قبل الشروع في التدريبات على دراسة هذه الشخصية معتمدة على الواقع، باعتبار أنّ مثل هذه الحالة موجودة بكثرة في مجتمعنا، لتقول؛ "خالتي، مثلا، عاشت نفس الظروف وعانت في صمت، وحين قرأت النص أوّل مرة تبادرت إلى ذهني صورتها، أحاول قدر استطاعتي تجسيد الدور وأعيش حياة لم أعشها في واقعي، فمطلوب مني على الخشبة أن أكون هادئة وبطيئة عكس أختي الكبرى، لذلك أشبه أمي زهور أحيانا بهذه الأم التي تحب بناتها ككل الأمهات، لكنها لا تجيد التعبير لهن عن هذا الحب الفطري، لتنساق وراء الميراث الذي يحطم عائلتها".

الأخت الصغرى "حياة" (الممثلة أحمادو زينب) قالت بأنّها متمرّدة، لها الشجاعة في مواجهة أمها المتسلطة التي أعماها الميراث ولا تكف عن إقناع أختها بالتمرّد من أجل الانعتاق وفتح الأبواب الموصدة، وبدورها أشارت الفنانة غزال التي أدّت دور الأم "زهور"، إلى أنها من خريجي معهد التمثيل منذ سنتين وتحاول استثمار تكوينها على الخشبة.

وأوضحت أنّ دورها محوري في العرض، تظهر فيه بدون ماكياج، ترتدي الأسود حدادا على الزوج المتوفى، كما أنّ لحركتها وسكونها تأثير مهم على الدور، وقالت؛ "من جهتي، حاولت الاجتهاد من خلال البحث في هذه الشخصية عبر تحليلها ومعرفة مسارها العائلي" .

موسيقى العرض من إمضاء إدريس بن شرتين، حملت الكثير من الشجون المعبّر عن المعاناة الإنسانية، كما تضمّنت مشاهد من العرض بعض الدندنات الحميمية المستمدة من التراث القبائلي العريق.

للإشارة، فإنّ المسرحية سيعاد عرضها في 14 جوان القادم بقاعة "الموقار"، وقبلها ستشارك في الطبعة السادسة لمهرجان مدارس الفن بالجزائر الذي ستقام فعالياته في 29 ماي الجاري بمدينة باتنة.