أفلام اليوم الثالث من مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي
قصص إنسانية عميقة عن الوطن والحرية

- 98

عرف المسرح الجهوي "عزالدين مجوبي" بعنابة، أول أمس الجمعة، توافدا كبيرا لعشاق السينما، الذين حرصوا على متابعة الأفلام المقترحة في اليوم الثاني من مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي، وتناولت عدة قضايا إنسانية، تباينت بين الانهيار النفسي، التمرد والتعبير عن الهوية والثقافة، وكيف تتقاطع الأساطير الدينية مع مشاعر الخوف والهلع.
في هذا السياق، عُرض الفيلم الكرواتي "Celebratio" (الاحتفال)، الذي نقل المشاهدين إلى الريف الكرواتي بين عامي 1926 و1945، حيث تبدأ رحلة شاب قروي بريء، يواجه الانهيار المأساوي لبراءته مع اندلاع الحرب والاضطرابات السياسية التي اجتاحت أوروبا. تجسد الأحداث كيف يمكن للتغيرات السياسية والاجتماعية العنيفة أن تقضي على أحلام الفرد، وتركهم في مواجهة مع قسوة الواقع، التي تتسبب في تحوله إلى شخصية مظلمة.
يتميز الفيلم بطرحه السينمائي، الذي يمزج بين المشاهد الطبيعية الهادئة واللحظات العنيفة، مستخدمًا تصويرًا يعكس التوتر النفسي للبطل. كذلك تُبرز الموسيقى التصويرية الأجواء الملبدة بالهموم، لتخلق توازنًا بين الجمال البصري والدراما القاسية.
الفيلم يُعتبر دراسة إنسانية عميقة لحالة البراءة، التي تتحطم أمام صراعات الحرب، مقدمًا رؤية متقنة عن النزاعات التي تَأثر بها الريف الأوروبي. يتجنب التعميم ويقدم شخصية مركبة، تدفع المشاهد للتعاطف معها، مع تصوير بديع يعكس التناقض بين الحياة والبؤس.
استقطب الفيلم الإيطالي "The Sicilian Storyteller" (الحكواتي الصقلي)، هو الآخر، جمهورًا واسعًا، حيث استمتع الحاضرون بسرد قصة روزا باليستريري، الشخصية الأسطورية في الموسيقى الشعبية الصقلية.
يقدم الفيلم في إطار درامي موسيقي، سردًا غنيًا لحياة روزا، التي تمثل صوت الفئات المهمشة في صقلية خلال القرن العشرين، وتجسد نضالها ضد التقاليد الاجتماعية الصارمة والسياسة المتقلبة. يستعرض العمل كيف استُخدم الفن الشعبي كوسيلة للتمرد والتعبير عن الهوية والثقافة.
تتميز اللقطات بتصوير شاعر، يعكس روعة المناظر الطبيعية في صقلية، إلى جانب الأداء الموسيقي الذي يحاكي أجواء المدينة في تلك الحقبة. يتميز الفيلم بأسلوبه الوثائقي الدرامي الذي يمزج بين الحقيقة والخيال. ويستكشف بمهارة الذاكرة الجماعية للجنوب الإيطالي، حيث تتحول الموسيقى الشعبية إلى فعل مقاومة ضد القمع الاجتماعي والسياسي. ويسلط الضوء على قوة الفن كوسيلة للتحرر والتضامن. يذكر هذا السرد النابض، أن تاريخ الأقليات الثقافية هو إرث حي يجب إعادة اكتشافه والاحتفاء به.
كما عرض فيلم الرعب الشهير "The Conjuring – L’Heure du Jugement" (الشعوذة – ساعة الحساب)، الذي قدمه مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي.
ينتمي الفيلم إلى سلسلة The Conjuring المعروفة، ويضيف بعدا جديدا، من خلال استكشاف موضوع "ساعة الحساب"، حيث تتقاطع الأساطير الدينية مع مشاعر الخوف والهلع. يستعرض العمل كيف أن الرعب يمكن أن يكون أداة لاستكشاف الصراعات النفسية والروحانية، ما يجعله أكثر من مجرد فيلم إثارة، بل تجربة سينمائية تحمل دلالات عميقة.
يمتاز الفيلم باستخدام مبدع للإضاءة والمؤثرات الصوتية، التي تعزز من أجواء التوتر والرهبة، وتُدخل المشاهدين في حالة من التأمل بين الإيمان والخوف، حيث تبرز الروح الإنسانية في مواجهة قوى لا مرئية.
الفيلم ينجح في الجمع بين الإثارة النفسية والرعب التقليدي، مع تقديم رؤية سينمائية ناضجة، تتجاوز المشاهد المخيفة، لتطرح أسئلة فلسفية حول الخير والشر، الإيمان والحساب. يقدم تجربة سينمائية مشوقة تأسر الجمهور وتفتح نافذة للتفكير العميق في المعتقدات والهلع الإنساني.