‘’حرب المائة عام على فلسطين"

قصة الاستعمار الاستيطاني والمقاومة (1917 – 2017)

قصة الاستعمار الاستيطاني والمقاومة (1917 – 2017)
  • القراءات: 777
وكالات وكالات

بدأ هرتزل صياغة أفكاره حول بعض قضايا استيطان فلسطين. وكتب في مذكراته سنة 1895: "يجب أن نستولي بلطف على الممتلكات الخاصة في المناطق المخصصة لنا. يجب أن نشجع الشعب الفقير فيما وراء الحدود، على الحصول على عمل في بلاد اللجوء، وعدم منحهم أي فرصة عمل في بلادنا. سيقف ملاّك الأراضي في صفنا. يجب تنفيذ سياسات الاستيلاء على الأرض، وتهجير الفقراء بتحفّظ وحذر"، وفي كتابه "حرب المائة عام على فلسطين: قصة الاستعمار الاستيطاني والمقاومة" الذي صدر حديثا بنسخته العربية عن الدار العربية للعلوم "ناشرون"، ركز المؤرخ الفلسطيني الأمريكي رشيد الخالدي الذي يعمل بروفيسور للدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا، على 6 أحداث، اعتبر أنها تمثل تحولا في الصراع على فلسطين.

يعمل الخالدي مديرا لمدرسة الشؤون الدولية والمحلية التابع لمعهد الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا. وشغل كرسي الأستاذ الراحل إدوارد سعيد للدراسات العربية في جامعة "كولومبيا". وكان مستشار الوفد الفلسطيني في مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية في الفترة من 1991 إلى 1993. ومن أشهر كتبه "الهوية الفلسطينية، بناء قومي حديث".

وتبدأ هذه الأحداث الستة - حسب المؤلف ـ بوعد بلفور سنة 1917، الذي حدد مصير فلسطين، ثم حرب النكبة سنة 1948، يليها قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967، ثم الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، ثم اتفاقية أوسلو للسلام 1993، مرورا بزيارة أرييل شارون إلى القدس عام 2000، وصولا إلى حصار إسرائيل لغزة، وحروبها المتكررة على أهل القطاع في العقد الأول من القرن 21.

تفكيك البنية الاجتماعية

يقول المؤلف إن هذه المراحل تسلط الضوء على الطبيعة الاستعمارية لحرب 100 عام على فلسطين، وعلى دور القوى الخارجية الذي لا يمكن الاستغناء عنه - حسب الكاتب - في شن هذه الحروب. ويؤكد الخالدي أن هذا الأنموذج الاستيطاني الاستعماري تم توطيده في حرب 1948، بتسميتها الفلسطينية "النكبة"، أو بتسميتها الإسرائيلية "حرب الاستقلال"؛ من خلال السيطرة على ما يقرب من 80% من الأراضي الفلسطينية.

ويقول الكاتب: "سردت هذه القصة جزئيا من خلال تجارب فلسطينيين عاشوا هذه الحرب. وينتمي كثير منهم إلى عائلتي". ويعتمد الكتاب على بحث أكاديمي، غير أن فيه أيضا بعدا شخصيا، يستبعد عادة في التأريخ الأكاديمي؛ حيث اعتمد الخالدي على مجموعة من المواد الأرشيفية غير المستغلة، إضافة إلى تقارير أجيال من أفراد عائلة الخالدي، ورؤساء البلديات، وقضاة وعلماء ودبلوماسيين وصحفيين، إضافة إلى عدد كبير من المخطوطات في مكتبة جده الأكبر الحاج راغب الخالدي، التي تضم أكثر من 1200 مخطوطة، ونحو ألفي كتاب، أغلبها باللغة العربية (بعضها بالفارسية والتركية العثمانية).

تدمير فلسطين

ويقول المؤلف إن هذا الكتاب ليس "تصورا باكيا" لـ 100 سنة مضت من تاريخ فلسطين، وليس اقتباسا من النقد الذي كتبه الحاخام والمؤرخ سالو بارون (1895- 1989)، وهو بذلك يصف روح الكتابات التاريخية اليهودية في القرن 19.

ويشرح الخالدي قائلا: "اتُّهم الفلسطينيون من طرف المتعاطفين مع الذين اضطهدوهم، بأنهم منغمسون في الشعور بأنهم ضحايا. وفي الحقيقة واجه الفلسطينيون ظروفا شاقة، بل ومستحيلة أحيانا، مثلهم في ذلك مثل جميع السكان المحليين الأصليين، الذين واجهوا حروبا استعمارية. وبيّن المؤلف أن الفلسطينيين تعرضوا لهزائم متكررة، وكانوا متفرقين غالبا، ولم تتوفر لهم قيادة جيدة. ويوضح قائلا إن ذلك لا يعني أن الفلسطينيين لم ينجحوا أحيانا في التغلب على هذه المصاعب، أو أنهم في أوقات أخرى لم يتمكنوا من اتخاذ قرارات أفضل.

بيارات البرتقال

ويرى المؤلف أن في بداية القرن 20 وقبل أن يكون للاستعمار الصهيوني أي تأثير يُذكر في فلسطين، انتشرت أفكار جديدة، وتوسع نطاق التعليم الحديث وتعلّم القراءة والكتابة. كما تغيّر منظر مناطق واسعة من فلسطين، وانتشرت بيارات البرتقال في كل مكان.

ويؤكد الخالدي أن مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وقعت "تحت سيطرة ملاّك غائبين، عاش كثير منهم في بيروت أو بدمشق على حساب الفلاحين وصغار الملاّك". ويستنتج أن كثيرا من الفلسطينيين المتبصرين أدركوا قبل الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، مخاطر الحركة الصهيونية، واعتبروها تهديدا، إلا أن وعد بلفور (1917) الذي أصدره وزير الخارجية البريطاني جيمس أرثر بلفور (1848- 1930)، أدخل عنصرا مخيفا من خلال استيلاء القوات البريطانية على القدس، وإضفاء الطابع الرسمي على القوة الاستعمارية البريطانية.

الدولة الموازية

وأشار المؤرخ رشيد الخالدي إلى أن مشروع الصهاينة أصبح مدعوما بـ "جدار حديدي" لا غنى عنه من القوة العسكرية البريطانية. ويقول: "من المؤكد أن هويات سياسية قد تطورت في فلسطين قبل الحرب بما يتوافق مع التغيرات العالمية وتطور الدولة العثمانية". وبعد ذلك توالت الهجرات اليهودية من مناطق مختلفة من العالم باتجاه فلسطين. ويرصد الخالدي مخاطر الهجرة اليهودية إلى فلسطين قائلا: "بدأ خلع المجتمع الفلسطيني المحلي بهجرة كبيرة للمستوطنين الأوروبيين تدعمها سلطات الانتداب البريطاني الجديدة، التي ساعدتهم على تأسيس هيكل دولة موازية صهيونية". ويؤكد أن ذلك أدى "إلى ارتفاع نسبة السكان اليهود في فلسطين من 18% عام 1932، إلى أكثر من 31% عام 1939، قدّم ذلك الكتلة السكانية الحرجة؛ حيث تَرافق ذلك مع قوة عسكرية ناشئة ومدعومة من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لتنفيذ التطهير العرقي الذي تعرّض له الفلسطينيون سنة 1948، حين تم طرد أكثر من نصف السكان العرب من البلاد آنذاك؛ أولا على يد العصابات الصهيونية، ثم بقوة الجيش الإسرائيلي الذي أكمل انتصار الصهيونية العسكري والسياسي".

المعطف التوراتيّ

وضع المؤلف رشيد الخالدي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ضمن إطار حرب استعمارية تُشن ضد السكان الأصليين من جهة عدة فرقاء، لإجبارهم على تسليم بلادهم لشعب آخر؛ غصبا وضد إرادتهم.

ويقول الخالدي: "هكذا زينت حركة استعمارية قومية من أواخر القرن التاسع عشر، نفسها بمعطف توراتي، كان جذابا جدا للبروتستانت، الذين يتلون الكتاب المقدس في بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية". ويضيف: "أعماهم ذلك عن رؤية الحداثة الصهيونية وطبيعتها الاستعمارية، وإلا كيف يمكن أن يستعمر اليهود الأرض التي انطلق منها دينهم؟!".

التاريخ المزوَّر

يرى المؤلف أن الخطاب التحقيري الذي قدمه ثيودور هرتزل وغيره من زعماء الصهيونية، لم يختلف عن خطاب زملائهم الأوروبيين. وأضاف: "كتب هرتزل أن الدولة اليهودية ستكون جزءا من جدار دفاعي عن أوروبا في آسيا، قلعة أمامية من الحضارة ضد البربرية".

وفي هذا السياق، يقارن الكاتب ما حصل في فلسطين بأماكن أخرى في العالم، بقوله: "كان استعمار فلسطين مثل استعمار أمريكا الشمالية وجنوب إفريقيا وأستراليا والجزائر، وأجزاء أخرى من شرق إفريقيا".

ويشكل كتاب رشيد الخالدي فرصة لمساءلة ومراجعة الواقع المعقّد الذي آلت إليه القضية الفلسطينية في مختلف أبعاده وجوانبه بعد قرن من الحرب على الفلسطينيين، انتهت باعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل قائلا: "رفعنا القدس عن طاولة المفاوضات، ولا يجب علينا الحديث عنها بعد الآن". كما يسعى المؤلف الذي يعيش في الغرب، إلى رسم طريق للمضي قدما وسط دوامة الاحتلال الإسرائيلي، والتدخل الغربي لصالح إسرائيل.