المؤتمر الدولي «سلطة النص وحدود التأويل» بجامعة البليدة

قراءة متجددة لأسرار النص

قراءة متجددة لأسرار النص
  • القراءات: 1110
❊مريم. ن ❊مريم. ن

تحتضن كلية الآداب واللغات قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة «علي لونيسي» بالبليدة، أشغال المؤتمر الدولي الثاني «سلطة النص وحدود التأويل» يومي 4 و5 ديسمبر الجاري. وسيتم تفكيك الشّفرة التي تنتظم فيها هذه المعادلة الصعبة بين الانغلاق والحدود والانفتاح والامتداد بفضل البحوث المقدمة.

 

يُعتبر التأويل قرينا بالنّص، فلا نص بدون تأويل ولا تأويل بدون نصّ. النّص بمفهومه الواسع الذي يتعدى الخطاب والمشافهة إلى وقائع الكون ونسق الأحداث وكلّ مظاهر الوجود في هذا الكون. فمنذ أن رأى الإنسان نور وجوده أجهد نفسه بحثا عن كنه الأشياء وتفسيرها، ومع تطوّره في الوجود امتلك ناصية التفسير، فأصبح هذا الوجود مليئا بالأسرار يتوارى عن أشياء لا يراها في ظاهرها، ممّا زاده يقينا بأن وراء كل ظاهر باطنا عميقا قد يفني عمره ولمّا يصل إليه.

وبامتداد الأزمنة وظهور الثورة الصناعية في أوروبا وتطور العلوم خاصة الاجتماعية والإنسانية منها، برز ثلة من العلماء الذين استنفذوا جهودهم في معرفة مسألة الفهم والتفسير والتأويل، فكان أن بلور الفيلسوف الألماني شلاير ماخر نظريته الشهيرة في علم التأويل المرتبطة بمحاولته فهم الكتاب المقدس، ثم توالت الدراسات المعمقة بعد ذلك على يد كبار المفكرين والفلاسفة في أوربا، على غرار فلهيلم دلثاي، وبعده هيدغر وغادامير، ثم بول ريكور وامبرتو إيكو الذي رحل عن هذا العالم مؤخّراً. فقد كان النشاط التأويلي لدى هؤلاء منحصرا في فهم النّص بين الانغلاق والحدود والانفتاح والامتداد.

ليس لهؤلاء كل الفضل في نشأة النظرية التّأويلية، فقد كان للعرب الأوائل نصيب غير مردود في هذا الشأن خاصة التراثيين منهم، الذين اهتمّوا بقراءة القرآن الكريم وتفسيره وتأويله على غرار الإمام الطبري والغزالي والشّاطبي والزّمخشري وابن عربي وغيرهم كثير، على أنّ علم التأويل كلّه كان ميدانه النص الدّيني؛ فقد كان هذا الكتاب الرباني المقدّس وبفعل قدسيته في مقابل نزوله بلغة يفهمها البشر، أمرا شكّل مفارقة أسّست لدى هؤلاء ضرورة يقينية أنّه ميدان خصب للعملية التأويلية بما يصلح أحوال البشر؛ باعتباره شرعة لهم ومنهاجا، صالحا لكل زمان ومكان.

وممّا سبق يتّضح أن مفهوم التأويل سواء عند العرب أو غيرهم في الغرب، ارتبط ارتباطًا وثيقا بالكتب المقدّسة التي كانت دافعا مباشرا لظهور خصومات كـبيرة تباينت اتّجاهاتها وتعدّدت فرقها إلى فرق متعدّدة ومذاهب مختلفة، لايزال تأثيرها ظاهرا إلى اليوم، خاصة في الوطن العربي؛ حيث اقترن التفكير بالتكفير في هكذا مسائل، وكانت سببا مباشرا في ظهور ما يسمى بعصر التنوير أو الفكر التنويري، قاده مفكرون من أمثال محمد أركون ونصر حامد أبو زيد وحسن حنفي والجابري والطيب تيزيني وطه عبد الرحمن وعلي مبروك ومحمد شحرور.

وفي خضم هذا الصراع الفكري والغموض الذي يحيط بالنّص ومحاولة فهمه وتفسيره وتأويله منذ الأزل، يتم في هذا الملتقى الموسوم بـ «سلطة النص وحدود التّأويل»، فك الشّفرة التي تنتظم فيها هذه المعادلة الصعبة بفضل البحوث الّتي تتقدم لهذا الملتقى.

ومن أهداف الملتقى الوقوف على الزّخم المعرفي والعمق التّاريخي المتّصل بالنّشاط التّأويلي، والاطلاع على جهود القدماء العرب في التأسيس لعلم التأويل، وعلى مخرجات المفكرين والفلاسفة الغربيين في التأسيس للنظرية التأويلية الحديثة، وعلى أهم القراءات المعاصرة للنّصوص الدينية.

ومن الأهداف أيضا معرفة الأسس المعرفية والخلفيات العقدية والسياسية للقراءات المعاصرة للنصوص الدّينية، واكتشاف علاقة التّأويل كنشاط قرائي بعلم التفسير، وهل هناك حدود للتّأويل أم أنّه لا حدود له، وكذا اكتشاف الخلفيات الثقافية والتّاريخية والاجتماعية الّتي تلف بالعملية التّأويلية، ومساعدة طلبة الدكتوراه الجدد -خصوصا - على طرق موضوعات جديدة وجادة، تفتح لهم آفاق البحث النقدي والفكري والفلسفي…

ترى اللجنة العلمية للمؤتمر التي يرأسها الدكتور خالد رمول مدير جامعة البليدة2، أن الكتابة والبحث في المحاور التالية كفيلة بالوصول إلى تلك الأهداف. ويخص المحور الأول «النص والتّأويل - الهيرمينوطيقا، قراءة في المفاهيم، الأبعاد والدلالات التاريخية»، والمحور الثاني «بناء المعنى واستراتيجية التلقّي - سلطة النّص وسلطة السّياق»، والمحور الثالث «انفتاح النّص وحدود التّأويل في الفكر الغربي القديم والمعاصر»، والمحور الرابع «انفتاح النص وحدود التأويل في الفكر العربي القديم والمعاصر»، والمحور الخامس «الأسس التأويلية في مقاربة النّصوص الأدبية والدّينية والفلسفية»، والمحور السادس «القراءات المعاصرة للنص الدّيني، إشكالية التّراث وتحدّيات المستقبل، «والمحور الأخير «النقد الثقافي والتّأويل».

وللإشارة، يشارك في الملتقى أساتذة من مختلف جامعات الوطن وباحثون من عدة بلدان عربية، هي تونس والمغرب ومصر والأردن والعراق وقطر.