إصدارات عن العالم ما بعد كورونا
قراءة فيما هو آت من إبداعات وتحولات

- 619

صدر، مؤخرا بالقاهرة، كتاب جديد بعنوان "العالم ما بعد كورونا" من تأليف الدكتور عبد المنعم سعيد، الذي أكد أنه ليس سهلاً تأليف كتاب عن حدث بينما لاتزال التطورات جارية والوقائع ساخنة، وفي أغلب الأحيان فإن المعلومات قاصرة أو حتى غائبة تماماً، و الأمر في حقيقته أكثر صعوبة؛ لأنه يتعلق بفيروس، تأثيره على الفرد هو الموت، وعلى الجماعة الهلاك.
جاء في مقدمة الكتاب أن حجم التغييرات التي أحدثها "كورونا المستجد"، جعل البعض يقول إن عالم ما بعد كورونا لن يكون هو بأي حال من الأحوال، ذلك العالم الذي كان قبل أن يضربنا هذا الوباء؛ لذلك ظهر مصطلح "عالم ما بعد كورونا" على السطح في الشهور الأخيرة، وبدأ العلماء يستشرفون صورة هذا العالم: هل ستتغير فيه موازين القوى؟ وهل ستتغير المعايير التي ستقيَّم على أساسها الدول الأقوى؛ سواء سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً؟ وهل سيتغير شكل التكتلات السياسية بعد أن رسب، مثلا، الاتحاد الأوروبي في اختبار كورونا ولم يقدم شيئا لإيطاليا، التي وقفت وحيدة في مواجهة الفيروس، الذي طحن عظامها، وترك فيها ما لن تمحوه الأيام بسهولة؟
أما كتاب "مرايا" للروائي محمد عبد النبي، فهو إصدار في زمن يعلو فيه صوت "كورونا"؛ إذ ينتشر الوباء في العالم مسقطا عشرات الآلاف من المرضى والمتوفين، ومن ثم فإنه يحوي عدة مقالات عن ذلك الوباء وتأثيراته على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
وفي مقال ممتع بعنوان "رحلات بين أربعة جدران.. تأملات حول العزل والعزلة"، يتأمل المترجم والروائي محمد عبد النبي، في ما فعلته العزلة المفروضة خوفا من الوباء، في ملايين البشر حول العالم.
ويتنقل عبد النبي في مقاله بين عدد من الكتب والروايات والأفلام التي تناولت العزلة بمعانيها وظروفها المختلفة، وكيف تؤثر على حياة البشر. ويرصد كيف ساهمت التكنولوجيا في خلق مساحات للتواصل، وكسر العزلة من خلال مساحات التلاقي الافتراضي التي تتيحها.د في مقالها ضمن كتاب "مرايا" "أدب الأوبئة: نصوص تنتصر لغريزة البقاء"، بين عدة أعمال أدبية تناولت الأوبئة، وتطرح أنه على الرغم من اختلاف بعض المعالجات لظاهرة "الأوبئة" في الأعمال الأدبية، سواء أعمال استبقت وتنبأت بما قبل وقوع الكارثة، أو أعمال استفاضت في وصف أحداث على نحو يبعث القشعريرة في الأبدان، أو حتى تلك التي ترصد عالم ما بعد التعافي من الصدمة، فإن المشترك الفريد بينها هو التعبير بشكل بليغ عن تلك اللحظات التي تستيقظ فيها غريزة البقاء من سباتها.
ويتوقع المقال أن بنهاية فترة الحجر التي دخلتها البشرية حاليا بسبب الوباء، سيكون هناك صدى لتلك الفترة على صفحات الروايات، وستبرز آثارها وتتجلى بقوة في أعمال أدبية وفنية تتناول فترة كورونا العصيبة، وتضيف أرففا جديدة إلى مكتبة أدب الأوبئة والأزمات.
وبالإضافة إلى ما سبق من كتابات ركزت على تأثيرات الوباء، يتضمن الإصدار الحالي من كتاب "مرايا" مقالات ودراسات ومراجعات، تتناول موضوعات مختلفة في الاقتصاد والأدب والسياسة، منها على سبيل المثال مقال منى أبو النصر عن رواية "أشباح بروكسل" للكاتب محمد بركة وما تنطوي عليه من "جغرافيا سردية للخوف"، وقراءة بقلم حسام الخولي في رواية "أحمر لارنج" لشارل عقل، وعرض حسين الحاج لكتاب "الروح في العمل: من الاستلاب إلى الاستقلال الذاتي" لفرانكو بيفو بيراردي، وترجمة أحمد حسان.
وفي مقاله عن "كورونا.. الأزمة التي زادت من أوجاع سوق العمل في مصر"، يناقش محمد جاد التأثيرات الكارثية لذلك الفيروس في بلدان عدة، والسياسات الجديدة التي ظهرت لتعويض العمال عن الأجور المفقودة بسبب حظر التجوال، وكذلك أشكال الدعم المختلفة التي قدمتها دول العالم لفئة العاملين خارج النطاق الرسمي. ويتطرق جاد للوضع في مصر، طارحا أن الوباء المستجد جاء على خلفية عقود اتسع فيها نطاق العمل غير الرسمي بشكل سريع؛ الأمر الذي زاد من مصاعب حماية العمال تحت ظروف الوباء الضاغطة، لتصبح تلك الأزمة بمثابة لحظة كاشفة لمشكلات سوق العمل المتراكمة في مصر.
وتقدم الدراسة التي ترجمتها أسماء ياسين بعنوان "الاشتراكية في زمن الأوبئة"، تحليلا لأسباب ظهور الأوبئة، والسياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تتداخل وتنتجها في نهاية المطاف.. وتجادل الدارسة بأنه لا يمكن فهم طبيعة جائحة "كوفيد- 19" بدون النظر إلى الرأسمالية في تكوينها الحالي؛ فوباء على هذا المستوى يزيد حدة أخطاء الرأسمالية الموجودة بالفعل من قبل.
وبشكل أساس هناك خياران: إما الدفاع عن الأرباح، أو إنقاذ الأرواح. وتطرح الدارسة أن الدلائل تشير حتى الآن، إلى أن الخيار الأول كان الأولوية القصوى لأولئك الذين يترأسون هذا النظام.