"الحزام والطريق.. المباراة الكبرى في القرن 21"

قراءة في فلسفة واستراتيجية طريق الحرير

قراءة في فلسفة واستراتيجية طريق الحرير
  • القراءات: 782
الوكالات الوكالات

صدر، مؤخرا، كتاب "الحزام والطريق: المباراة الكبرى في القرن الحادي والعشرين"، عن الهيئة المصرية العامة الكتاب، للمؤلف الدكتور محمد فايز فرحات، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والمتخصص في الدراسات الآسيوية.

طرحت مقدمة الكتاب الأصول النظرية والسياسية لمبادرة الحزام والطريق التي طرحها الرئيس الصيني خلال عام 2013، حيث حاول الكتاب التأصيل للمبادرة بالرجوع إلى عدد من الأفكار النظرية التي قدمها بعض الاقتصاديين الصينيين، وبعض الأفكار الصينية الكبرى التي ربطت بين تسريع واستدامة عملية التنمية في الصين من ناحية، وتنمية الأقاليم المحيطة بالصين، من ناحية أخرى، وهي الفلسفة الأساسية التي حكمت المبادرة. كذلك أفردت المقدمة مساحة مهمة لمحاولة الإجابة عما إذا كانت الحزام والطريق مبادرة بالمعنى الدقيق، أم استراتيجية صينية للهيمنة على النظام العالمي، وهو سؤال شديد الأهمية، لأسباب عديدة، تتعلق بحجم المبادرة، وطبيعة السياسات الصينية المرتبطة بها، وحجم الأموال والمؤسسات المالية الصينية التي تقف وراءها.

وحاول الكتاب فض الاشتباك والجدل النظري الذي تطور في هذا السياق، من خلال التمييز بين المبادرة كجزء من عملية "أقلمة" استراتيجية التنمية الصينية، والمبادرة كجزء من السلوك الصيني الخارجيوقدّم الفصل الأول توصيفا عاما للمبادرة مـن حيـث مجموعة الممرات الاقتصادية والرقمية المكونة للمبادرة، والقطاعات الأساسية التي تستهدفها، فضلا عن مقومات فرص نجاحها.

كما قدّم الفصل الثاني اقترابا متكاملا لتفسير طرح الصين للمبادرة، وطرح سبعة مداخل مختلفة، هي: الحـزام والطريق كآلية لمعالجة معضلة التنمية غير المتوازنة، والحزام والطريق كآلية كإطار لمعالجة معضلة الاعتمادية الصينية على أسواق خارجية محددة، والحزام والطريق باعتبارها آلية لمواجهة مشكلة الانكشاف الأمني للمضايق البحرية، وتحويل الصين إلى قـوة بحرية عالمية، والحزام والطريق كآلية لمعالجة مشكلة الفائض فـى القـدرات الإنتاجية، والحزام والطريق كآلية لمعالجة نقص الأراضي الزراعية والفجوة الغذائية، والحزام والطريق كلية لإعادة صياغة ظاهرة العولمة، وكمرحلة أكثر تقدما فى استراتيجية الانفتاح الصيني، وأخيرا الحزام والطريق كإطار للرد على نظرية التهديد الصيني.

وتطرق الفصل الثالث لمناقشة التحديات الأساسية التي تواجه المبادرة، مع التركيز على بعض الأقاليم التي تتمتع بثقل مهم على مسار المبادرة؛ إذ ناقش الكتاب في هذا السياق، احتمالات الصدام بمناطق النفوذ التقليدية لعدد من الفاعلين الدوليين والإقليميين، مع التركيز على إقليم جنوب آسيا الذي يرتبط بالمبادرة من خلال "الممر الاقتصادي الصين- باكستان"، ومشكلة الفجوة التمويلية بين حجم الاستثمارات المطلوبة في الأقاليم الواقعة على مسار المبادرة، خاصة في مجالات البنية التحتية، وفرص التمويل المتـاح مـن خـلال المبادرة.

وأثار الكتاب في هذا السياق، مشكلة مزاحمة الفائض في القدرات الإنتاجية الصينية للقدرات الإنتاجية المتاحة فى الاقتصادات الواقعة على مسار المبادرة، والتي تُعد إحدى الإشكاليات المهمة التي لم تلتفت إليها الكثير من الأعمال التي تناولت الحزام والطريقوناقش الفصل الرابع التداعيات الاستراتيجية للمبادرة، حيث ركز على خمسة تداعيات مهمة، هي: تأثير المبادرة في ما يتعلق بإعادة بناء مناطق النفوذ العالمية، وتطور "الإندو- باسيفيك" كمفهوم ومسرح دولي بديل لمفهوم "آسيا المحيط الهادي"، واحتمالات تحوّل الصين عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتأثيرات المبادرة في مـا يتعلـق بإعادة هيكلة المؤسسية المالية العالمية، وأخيرا التأثيرات المحتملة للمبادرة على الاقتصادات العربية.

وأفرد الكتاب الفصل الخامس لمناقشة تأثير المبادرة من حيث تعميق أزمة الصين كقـوة صاعدة في النظـام العالمي. واعتمد الكتاب هنا على ثلاث نظريات مهمة من نظريات العلاقات الدولية المعنية بتفسير عملية "الانتقال" والتحول في النظام العالمي، هي: نظرية تحول القـوة، ونظرية استقرار الهيمنة، والنظرية الليبرالية المؤسسية؛ حيث حاول الكتاب إخضاع المبادرة لمقولات هذه النظريات الثلاث، بهدف محاولة الوصول إلى عدد من الاستنتاجات حول تأثير المبادرة على احتمالات الصدام، أو تحول النظام العالمي. وأخيرا، طرحت خاتمة الكتاب عددا من الشروط لنجاح المبادرة من وجهة نظر الكاتب.

واتسمت معالجة الكتاب لموضوع الدراسة، بالمعالجة العلمية والمنهجية مقارنة بالمعالجات الصحفية السريعة، أو البحثية الاختزالية التي تمت خلال السنوات الأخيرة. كما يكتسب أهمية كبيرة بالنظر إلى ما تضمّنه من إثارة للعديد من القضايا المهمة ذات الصلة بعملية التحول في النظام العالمي، وهي القضية التي استحوذت على اهتمام كبير من جانب باحثي ودراسي العلاقات الدولية.

وقد وضع الكتـاب مبادرة الحـزام والطريق في سياق أكبر، وهو عملية التحول الجارية في هيكل النظام العالمي، اعتمادا على مقولات أبرز نظريات العلاقات الدولية المعنية بهذا السؤال النظري المهم. وأخيرا تضمّن الكتاب قسما مهما حول تأثير المبادرة على الاقتصادات العربية.