كتاب "بناء التحالفات لمكافحة التطرف والإرهاب"

قراءة رصينة لواقع المجتمعات الإسلامية

قراءة رصينة لواقع المجتمعات الإسلامية
  • القراءات: 755
ق-ث / الوكالات ق-ث / الوكالات
التطرف والعنف من الظواهر التي لازمت المجتمعات البشرية طوال العصور، غير أن العقود الأخيرة شهدت تزايداً في الاهتمام بهذه الظاهرة، بسبب زيادة المخاطر المترتبة عنها، وبسبب زيادة المعرفة بها، فالتطرف والعنف اللذان يحدثان في بلد ما لم يعودا حدثاً معزولاً.
يرجع ذلك إلى التقدم في وسائل الاتصال وانتقال المعلومات والأخبار التي تسهل انتقال القيم المتطرفة من مجتمع إلى آخر، وبسبب انتشار الشعور بالصدمة والتهديد المترتب علن العنف بين المجتمعات.
يؤكد هذا الكتاب أنه لا يكاد يوجد مجتمع واحد محصن ضد التطرف والعنف بشكل كامل، لهذا فإنه من غير الصحيح ربط التطرف بمجتمع أو ثقافة بعينها، إلا أن التطرف والعنف في المجتمعات الإسلامية لفتا نظر العالم لدرجة أساءت للإسلام والمسلمين بطريقة تنطوي على تبسيط مخل، وعلى صور نمطية لا تسمح بالفهم الصحيح ولا بتطوير السياسات الفاعلة، ويشير إلى أن التركيز غير المتوازن على التطرف والعنف في المجتمعات الإسلامية، يرجع في جانب كبير منه إلى أن هذه المجتمعات شهدت في العقود الأخيرة موجة طويلة واسعة الانتشار من العنف، امتدت عقوداً متصلة، وبينما يستلزم هذا بذل جهد بحثي وسياسي لمقاومة هذه الظواهر، لا يبرر أية افتراضات تبسيطية تربط التطرف بالإسلام ومجتمعاته.
ورغم أن التطرف والعنف وقعا في بلاد عدة متفرقة فإن ما يميز الموجة التي يتناولها الكتاب، الذي شارك في تحريره مجموعة من الباحثين ونشره مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ«الأهرام"، هو الارتباط بين مكوناتها، سواء من حيث الأخطار التي تم الاستناد إليها لتبرير العنف، أو من حيث الصلة الفكرية تأثيراً وتأثراً بين التيارات المتطرفة والعنيفة، وأيضاً من حيث الصلة التنظيمية عندما تكونت جماعات متطرفة وعنيفة عابرة للحدود تتمتع بقيادة مركزية أو شبه مركزية، أشهرها تنظيم "القاعدة".
لقد استطاعت التيارات والجماعات المتطرفة اختراق حدود الدول الإسلامية، واستطاعت أيضا اختراق حدود الدول ذات الأغلبية غير المسلمة، لتصل إلى الجاليات الإسلامية فيها، حتى بدا وكأن شيئاً لا يقف في وجه الأفكار المتطرفة وجماعات التطرف والعنف في إكساب الظاهرة طابعاً فوق قومي، وفي إخفاء الاختلافات بين مكوناتها، وفي الميل إلى اختزال أفكارها وأيضاً دوافعها في عدد من الأسباب البسيطة المحدودة.
ويوضح الكتاب أن الحكومات والمجتمعات لم تستسلم لجماعات التطرف والعنف، فقد كان صعود التطرف والعنف سبباً في تزايد البحث عن أساليب لمقاومتهما، وبينما سقط عدد محدود جداً من البلدان تحت سيطرة التطرف والعنف.
وبينما تعاني بلاد أخرى مخاطر عدم الاستقرار والفوضى بسبب انتشار التطرف والعنف مثلما هو الحال في باكستان، فإن أغلب البلاد الإسلامية إما تقع في فئة البلاد التي تواجه مخاطر وتهديدات أمنية متفاوتة الحدة مصدرها تلك التيارات والجماعات، مثلما هو الحال في اليمن، وإما تقع في فئة البلاد التي نجحت في تحقيق تقدم مهم في الحد من مخاطر التطرف والعنف مثلما هو الحال في السعودية والجزائر وغيرهما، فالنجاح في تطوير سياسات تحد من مخاطر التطرف والإرهاب هي الخبرة الأكثر شيوعاً، رغم أن الانطباعات السائدة تميل إلى تجاهل هذه الحقيقة، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب المكرس لعرض تجارب وخبرات مختلفة في محاربة التطرف والعنف.
ويشير الكتاب إلى أن موجة التطرف والعنف في المنطقة بدأت منذ عقود، والمرجح أنها ستستمر لفترة قادمة، الأمر الذي يجعل من الدراسات الواردة في هذا الكتاب مصدراً لإلمام مستمر من أجل مواصلة العمل على الحد من التطرف والعنف في ظروف متغيرة ستتسم بالتنوع وتعدد الخبرات أكثر فأكثر في السنوات المقبلة.
ويقدم الكتاب رصداً وتقييماً لتجربة بناء التحالفات بين الدولة من جهة وبين مختلف الفاعلين في المجتمع من جهة أخرى، من أجل مكافحة التطرف عبر إلقاء الضوء على التجارب الناجحة في هذا الصدد، حيث اجتمعت خبرات المؤسسات الأمنية والجمعيات المدنية و«المجاهدين التائبين" لتستعرض أهم السياسات والوسائل التي تساعد على نبذ العنف وتشجيع المنخرطين فيه على العدول عن التطرف فكراً وفعلاً .