إحياء ذكرى الراحل عبد الله شريط بـ"الجاحظية"

قراءات في مشروع نهضوي

قراءات في مشروع نهضوي
  • 196
مريم . ن مريم . ن

 أحيت الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، أول أمس، بالاشتراك مع الجمعية الثقافية "الجاحظية"، والتعاون مع مخابر البحث الجماليات وإشكالية البحث العلمي، ذكرى رحيل المفكر عبدالله شريط، من خلال ندوة فكرية بعنوان "قراءات في مشروع الراحل شريط النهضوي"، تناول فيها المتدخلون، جهود هذا المفكر الذي راهن على بناء الإنسان كمحرك للنهضة، محاربا في ذلك، راهن البؤس والتخلف الموروث عن المستعمر، وداعيا لمجتمع جديد متسلح بالوعي والعلم.

نشط الندوة الدكتوران عليش لعموري وطارفة بوجمعة، حيث أسهب كلاهما على تقديم نماذج من مسيرة هذا العالم الفيلسوف، الذي عمل من أجل أن يكون هناك مشروع نهضوي، يتماشى والراهن والخصوصية الجزائرية. ودعت منشطة اللقاء، الدكتورة آمال موهوب، إلى ضرورة تفعيل الفكر النقدي في الجزائر، مبرزة أن هذه الندوة لا يمكنها الإلمام بكل جوانب حياة الراحل، الذي كان مجاهدا وفيلسوفا وإعلاميا وأكاديميا وغيرها، ليبقى أستاذ الأجيال، تقرأ مشروعه في محطاته الكبرى.

اختار الدكتور عليش لعموري نماذجا من فكر شريط، عائدا أحيانا إلى ذكريات الجامعة، عندما كان طالبا عند الراحل، وكيف كان الطلبة يتسابقون لقراءة كتبه، التي تميزت بخطها الواضح التنويري المنطلقة من الواقع ومن المجتمع الجزائري، لذلك كانت كتاباته تنبض بالحيوية، وأضاف "حين كان شريط يدرسنا بالجامعة، كان يتجاوز المحاضرة لينبهنا لقضايا تحيط بنا، وبالتالي إعادة النظر فيها".

محاربة التخلف بالوعي والتعليم للنهوض

أشار المتحدث أيضا، إلى أن أعمال الراحل تناولت قضايا التخلف والفقر في فترة ما بعد الاستقلال، وهذا الإرث الاستعماري رأى من الواجب معالجته، بدل فتح جدالات عقيمة. كما تناول الدكتور عليش في مداخلته، جوانب متعددة من حياة الراحل، سواء الفكرية أو الإنسانية، وتوقف عند اهتمام عبد الله شريط بالشأن التربوي وباللغة العربية بصفة خاصة، مؤكدا اعتماده على المنهج السقراطي المتمثل في "منهج التوليد"، وأوضح أن شريط كان يدعو إلى تعليم العربية عن طريق النصوص، وعدم الاكتفاء بمناهج النحو والصرف وحدها، فهي، حسبه، لا تساعد على الإبداع.

توقف المحاضر عند محطات من حياة الراحل شريط، وتتلمذه على يد الشيخين العربي التبسي وابن باديس، ثم دراسته بتونس، ثم بسوريا، حيث تحصل على ليسانس الفلسفة من جامعة دمشق في 1951، ليلتحق إبان الثورة بالبعثة السياسية للجبهة في تونس، واشتغل كمترجم لما يكتب عن الثورة عبر العالم، بالتالي كان أول مؤرخ للثورة، علما أنه كان مقتنعا بأن التاريخ أساس النهضة .

توقف المحاضر أيضا عند سجالات شريط مع مصطفى لشرف، خاصة في مسألة التعريب بالجامعة، موضحا أن الراحل شريط كان متقنا للفرنسية ومشجعا على اللغات، لكنه اهتم بالعربية وإصلاح مناهجها، لتخرج من إطارها الأصم، وبالتالي تصبح لغة حية.

الانطلاق من الواقع الجزائري

كانت كتابات شريط، يضيف المتحدث، مختصرة وبأسلوب السهل الممتنع، مرفقة بأمثلة من الواقع وبدلالات جديدة وحوار سوقراطي، الميال له، لأنه ولاد للمعرفة، كما اشتغل الراحل في الإذاعة والتلفزيون ببرامج ناجحة، ربط فيها بين الأخلاق والسياسة، وقد نادى الكاتب أمين الزاوي ذات مرة لجمعها في كتاب. وقال المتدخل إن الراحل شريط تأثر بالخلدونية والباديسية في تنظيم المعارف، وتأثر أيضا بالعقلانية الرشدية في نقد الفقهاء، ويقرأ الكثير من الفلسفات ليوظفها في تشريح الواقع الجزائري.

بدوره، تحدث الدكتور طارفة بوجمعة عن جهاد الراحل شريط في جميع الميادين، معتبرا أنه كان وطنيا في كل لحظة احتاجه فيها الوطن، ابتداء من مرحلة الثورة، ثم بعد الاستقلال، ليكون بذلك نموذجا للمثقف.

خاض الراحل معركته ضد التخلف، كما قال المتدخل، ودعا أيضا إلى ربط الحداثة بالتراث والهوية واللغة دون الاستعانة العمياء بالغير، وكان يقول "لا تسقطوا علينا كعرب ومسلمين وجزائريين تاريخكم"، والنهوض كان عنده، محاربة التلوث اللغوي والثقافي وتركة المستعمر، مع التصدي للهيمنة الناعمة التي يفرضها الاستعمار الجديد.

إخراج الفلسفة من قفصها ولغتها نحو الشارع

ذكر المتحدث، أن الراحل شريط انتقد جمهور الفلاسفة الذين يلومون غيرهم، قائلا "لوموا أنفسكم أولا"، داعيا إلى ضرورة خروج الفلسفة من قفصها، وأن تغير لغتها ليصل خطابها للشعب والمجتمع، وأن تعمل الفلسفة على تحرير المجتمع من مشكلاته وقضاياه الحية.

تميزت المناقشة بالثراء، مع حضور نخبة من المدعوين، منهم الكاتب الإعلامي احميدة العياشي، الذي دعا إلى ضرورة إيصال فكر الراحل شريط للشارع، تماما كما حدث مع الثورة، حين ألقي بها إلى الشارع ليحتضنها الشعب. أما الناقد أحمد منور، فركز على ضرورة جمع هذه النقاشات والتحليلات والاستنباطات التي تثيرها الجمعية الوطنية للدراسات الفلسفية في كتيبات ورقية، قصد التوثيق.