التلفزيون الجزائري بطموح سينمائي
فيلم ضخم عن "بودية" ومشاريع في الأفق
- 299
نوال جاوت
أكّد رئيس التحرير بمديرية الإنتاج في التلفزيون العمومي، سمير بغالي، أنّ المؤسّسة، تعيش مرحلة استعادة نَفَسها الإبداعي بعد سنوات من التراجع الذي فرضته الظروف الوطنية، خاصة خلال العشرية السوداء. وأوضح أنّ الإدارة الجديدة للتلفزيون، بقيادة مسؤول مهتم بالشأن الثقافي، أعادت الاعتبار للإنتاج الفني من خلال إطلاق مشاريع نوعية تشمل ثلاثة مسلسلات تلفزيونية بصدد الإنجاز، إضافة إلى فيلم سينمائي ضخم يروي المسار النضالي للشهيد محمد بودية، وهو عمل مُموَّل من وزارة المجاهدين وبدعم رئاسي مباشر، ويتولى إخراجه يوسف محساس، على أن يبدأ تصويره بعد شهر رمضان داخل الجزائر وخارجها.
شدّد بغالي خلال الماستر كلاس المعنون "إنتاجات التلفزيون الجزائري.. طموح سينمائي"، الذي احتضنه "المسرح الصغير" برياض الفتح، أوّل أمس الأحد، ضمن فعاليات مهرجان الجزائر الدولي للفيلم، على أنّ التلفزيون العمومي يتّجه نحو إنتاج مستمر طوال السنة بدل الاقتصار على موسم رمضان، مع تنويع اللهجات والمواضيع لضمان حضور مختلف مكوّنات الهوية الجزائرية. ويرى بغالي أنّ هذه الدينامية الجديدة ستجعل من التلفزيون منصة حقيقية لاحتضان الإبداع، سواء في مجال الدراما أو الوثائقيات أو الأعمال المشتركة مع الشباب.
بعد هذه الرؤية المستقبلية التي قدّمها ممثل التلفزيون، استعاد البروفيسور أحمد بجاوي مساره الطويل مع السينما الجزائرية، مسترجعًا ذاكرة بصرية تمتدّ إلى خمسينيات القرن الماضي حين كانت العروض المتنقلة بالأشرطة 16 مم تجوب البلاد وتشكّل أوّل مدرسة سينمائية لجيله. ويتذكر بجاوي مشهدًا عالقًا في ذاكرته من أحد الأفلام، حيث يظهر ممثل يحتضر وسيجارته تتدلّى من فمه، وهو ما شكّل بالنسبة إليه لحظة اكتشاف لقوة المونتاج وأهمية التفاصيل الدقيقة في بناء المعنى السينمائي.
انتقل بجاوي لاحقًا إلى باريس، حيث درس الأدب الإنجليزي بالتوازي مع تحضيره للالتحاق بمدرسة IDEC للسينما، وهو تكوين أكاديمي جمع بين الحس الإبداعي والمرجعية النظرية. وبعد خمسة عشر يومًا فقط من تخرّجه، التحق بالسينماتيك الجزائرية ليتتلمذ على يد جان ميشال أرنوت ويصبح، وهو في الثالثة والعشرين من عمره، أول ناقد جزائري يقدم تحليلات سينمائية أمام الجمهور إلى جانب أسماء عالمية مثل شابرو ولوزاي. ويعتبر بجاوي تلك المرحلة لحظة استثنائية في تاريخ السينما الجزائرية، مؤكدًا أنّ الجزائر بعد الاستقلال أتاحت فرصًا لا مثيل لها للشباب المبدع.
مع التحاقه بالتلفزيون سنة 1969، أسّس بجاوي وزملاؤه أول ناد سينمائي تلفزيوني في العالم العربي، وهو مشروع سبق التجربة الفرنسية بثلاث سنوات. وقدّم بين 1969 و1988 مئات الأفلام على المباشر دون رقابة مسبقة، مع فتح باب النقاش مع الجمهور عبر المكالمات الهاتفية، ما جعل التلفزيون فضاءً حرًا للثقافة السينمائية. كما استعاد بجاوي مرحلة السبعينيات التي شهدت أوج الإنتاج السينمائي تحت إدارة الراحل لغواطي، حيث تم إنتاج أفلام بارزة مثل "نحن" و«الحبل" وغيرهما وجرى دعم سينمائيين مهمّشين خارج إطار المؤسسة الرسمية.
رافق ذلك تطور تقني مهم شمل الانتقال من الأشرطة العكسية إلى النيغاتيف، وإنشاء قسم 35 مم، واقتناء كاميرات "ميتشل"، وتكوين فرق تقنية متكاملة، فيما بلغ الإنتاج السنوي 13 فيلمًا روائيًا طويلًا ومائة فيلم وثائقي. حتى الأفلام الجريئة مثل "كم أحبكم" عُرضت على التلفزيون رغم حساسيتها السياسية وردود الفعل الدبلوماسية التي تسببت لاحقًا في تعليق بثّها.
كما توقّف بجاوي عند مجلة "الشاشتان" التي ظهرت أواخر السبعينيات لتشكّل جسرًا بين التلفزيون والسينما، حيث ضمت أبرز النقّاد الجزائريين والدوليين وأصبحت مرجعًا عالميًا في الدراسات السينمائية. ومع إعادة هيكلة التلفزيون سنة 1985، فضّل بجاوي العودة إلى الجامعة لمواصلة تكوين الطلبة في التحليل الفيلمي، وهو يؤكّد أنّ التحليل هو جوهر الفهم السينمائي، مستشهدًا بتخصيصه عامًا كاملًا لدراسة فيلم *Paths of Glory* لقطة بلقطة قبل أن يطلب من الطلبة إعادة كتابة السيناريو من جديد. ختم المتدخلان اللقاء بقناعة واحدة مفادها أنّ مستقبل الصورة في الجزائر يكمن في التكامل بين السينما والتلفزيون والمنصات الرقمية، وأن الحرية والتكوين والدعم المؤسساتي هي الركائز الأساسية لبناء ذاكرة بصرية جديدة تستند إلى الإرث التاريخي وتستشرف آفاقًا أرحب للإبداع المعاصر.