أسلوبان متمايزان في الممارسة والرؤى

في كواليس الدبلوماسية.. من ساركوزي إلى هولاند

في كواليس الدبلوماسية.. من ساركوزي إلى هولاند
  • القراءات: 588
ق.ث/ وكالات ق.ث/ وكالات

في الثاني عشر من شهر ماي من عام 2012 تولّى فرانسوا هولاند، اليساري الاشتراكي، رسمياً منصب رئيس الجمهورية الفرنسية وأقام في قصر الإليزي، المقر الرئاسي الفرنسي. وقد خلف بذلك سابقه نيكولا ساركوزي، اليميني وريث التيار الديغولي. رئيسان من معسكرين يتناوبان على السلطة في فرنسا منذ عقود طويلة. فهل كان هناك تغيير كبير على صعيد النهج الدبلوماسي الفرنسي أم كان هناك بالأحرى قدر كبير من الاستمرارية؟

على هذا السؤال بالتحديد يحاول كزافيي بانون، الصحفي الفرنسي المختص بالسياسة الخارجية الذي كان قد كرّس كتابه السابق لسيرة الرئيس الأسبق جاك شيراك ولسياساته، أن يجيب بكتاب جديد يحمل عنوان "في كواليس الدبلوماسية الفرنسية" في الفترة الممتدة من "نيكولا ساركوزي إلى فرانسوا هولاند".

تتمثّل الفكرة الرئيسية التي يطوّرها المؤلف على مدى 450 صفحة التي يتألف منها الكتاب في التأكيد أنّ الرئيسين نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند يمثلان "أسلوبين مختلفين جداً في المجال الدبلوماسي"...

وهذا ما يمكن أن توجزه الجملة التالية التي ينقلها المؤلف عن أحد المسؤولين الكبار في وزارة الخارجية الفرنسية ومفادها "نيكولا ساركوزي يبحث عن الزعامة. وفرانسوا هولاند يسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التوافق العام".

ويضيف عن الرئيس الفرنسي السابق "ساركوزي يحب القيادة ولا يحب الاستفاضة في النقاشات، وخاصّة مع الدول الصغيرة. ذلك على خلفية اعتباره أن القرارات الهامّة ينبغي أن تبقى محصورة بيد الكبار. فهذا يسمح له بأن يمارس نشاطاته بكل أبعادها"، ويُجمل المؤلف منطق نيكولا ساركوزي في صفحات يكرّسها لـ«الأنا الدبلوماسية" في القول إنه كان تبنّى باستمرار قاعدة في العمل الدبلوماسي تتمحور حول "استخدام الدبلوماسية كأداة بيد سلطته وربطها بشخصه- شخصنتها- والقيام بأعمال تترتب عليها أصداء كبيرة"، المثال البليغ الذي يضربه على ذلك قضية تحرير "الممرضات البلغاريات".

ويصف المؤلف وصول فرانسوا هولاند إلى قمّة السلطة في فرنسا بأنه أدّى إلى "هزّة كبيرة" في المشهد السياسي والدبلوماسي. والإشارة إلى أن الرئيس هولاند ركّز منذ الساعات الأولى لوصوله إلى قصر الإليزي على ضرورة أن يكون "فاعلاً على الجبهة الدولية".

وكانت الترجمة العملية لذلك أنه في نفس مساء يوم توليه رسمياً لمهام منصبه الرئاسي "طار إلى برلين" للقاء المستشارة الألمانية انجيلا ميركل. ويروي المؤلف أن الجو كان ممطراً وعاصفاً، حيث أشار قبطان طائرة "الفالكون" التي كانت تقلّ الرئيس وبعض شخصيات فريقه قائلاً "قد تكون هناك مشكلة خطيرة في المتابعة. وينبغي العودة". وكانت إجابة هولاند حاسمة "كلا سنتابع الطريق وقد تأخرنا عن الموعد أصلا".

ويشرح المؤلف أن هولاند وجد نفسه في بداية فترة رئاسته محاطاً بمجموعة من "المختصّين بالقضايا الدولية". وكان هؤلاء ينقسمون إلى تيارين كبيرين. التيار الأول كان من رموزه هوبير فدرين ومن توجهاته الأساسية المحافظة على "إرث فرانسوا ميتران"، أوّل رئيس يساري للجمهورية الفرنسية الخامسة التي أرسى أسسها الجنرال شارل ديغول عام 1958. والتيار الثاني كان "أطلسي الهوى"، ورفع أنصاره شعارات تصب بالتأكيد على "الدفاع عن الحضارة الأوروبية المهددة من روسيا والصين والعالم الإسلامي".

وما يشير له المؤلف بأشكال مختلفة هو أن الرئيس الحالي فرانسوا هولاند انتهج أسلوباً مغايراً لأسلوب سابقه حيث أظهر قدراً كبيراً من الدبلوماسية في التعامل مع عدد من الملفات. هكذا مثلاً ما كان له أن يأخذ قراراً مثل "إعادة اندماج فرنسا في القيادة الأطلسية العسكرية الموحّدة في أوروبا"، لكنه مع ذلك "لم يتراجع عن اختيار سابقه، نيكولا ساركوزي".

وتتوزّع مواد هذا الكتاب بين أربعة أقسام رئيسية يخصّ الأول مقارنة بين أسلوبي الرئيسين، السابق نيكولا ساركوزي والحالي فرانسوا هولاند، في ما يتعلّق بكيفية التعامل الدبلوماسي مع العالم الخارجي. ويخص القسم الثاني الآليات الدبلوماسية التي تمّ التعامل على أساسها مع النزاعات والحروب. والثالث هو عن العلاقات الدبلوماسية مع أوروبا. أمّا الأخير فمكرّس لدراسة نهج الرئيس الحالي والسابق في مجال العلاقات الثنائية.

للإشارة، كزافيي بانون مجاز بالأدب الكلاسيكي والدراسات الاستراتيجية. صحفي وكاتب. مهتم بالسياسة الخارجية الفرنسية. سبق له أن قدّم عدداً من الدراسات من بينها كتاب سابق عن "جاك شيراك، الوجوه الخمسة لرئيس".