لميس سعيدي ضيفة "إيمير سينارجي":

في الحياة آلام لا يمكن الشفاء منها

في الحياة آلام لا يمكن الشفاء منها
الشاعرة المترجمة لميس سعيدي
  • 584
لطيفة داريب لطيفة داريب

اعترفت الشاعرة المترجمة لميس سعيدي، بصعوبة ترجمة رواية "أريس"، للراحلة يمينة مشاكرة، وفي نفس الوقت، بحلاوة أداء هذه المهمة، بفعل جمالية أسلوب الكاتبة التي اعتبرتها من بين أهم الأدباء الجزائريين، وكذا شاعريتها التي استعملتها في آخر رواية، أتمتها بعد صدور أول رواية لها "المغارة المتفجرة".

استضافت مؤسسة "إيمير سينارجي"، أول أمس، بفضائها الكائن في ساحة "الأمير عبد القادر"، الشاعرة والمترجمة لميس سعيدي، للحديث عن ترجمتها لرواية يمينة مشاكرة، الموسومة بـ«أريّس" من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية.

لقاء المترجمة "الفعلي" بمشاكرة، حسبما ذكرته في الندوة، كان عام 2013 بقصر الثقافة، حينما قرأت نصوصا لمشاكرة ترجمتها من الفرنسية إلى العربية أمام جثمانها، في حين أول ما تعرفت عن كتابات الراحلة، كان خلال تحضيرها لعدد من برنامج "صدى الأقلام" للمسرح الوطني الجزائري، حيث قررت أن تقرأ نصوص صاحبة "المغارة المتفجرة"، مترجمة إلى اللغة العربية، فلم تجدها في الأنترنت، لتقوم هي بالترجمة.

قالت سعيدي، إن اكتشافها لكتابات يمينة مشاكرة، جعلها تنبهر بأسلوبها في الكتابة، فقررت أن تترجم روايتها "أريّس" من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، عن دار نشر "الكلمة"، التي كانت قد نشرت عام 1999 روايتها الأصلية. مشيرة إلى أنه رغم أن "أرّيس" رواية، إلا أنها مكتوبة بشاعرية فياضة. كما أنها، مثل سابقتها "المغارة المتفجرة" مكتوبة بأسلوب غير تقليدي، وتحمل الكثير من الرمزيات.

وتابعت أنها ابتغت، بعد ترجمتها للعديد من الأعمال الأجنبية، ترجمة بعض الكتب الجزائرية، مثل رواية "أريّس" التي تعد من بين النصوص المفتاحية، التي تُمكننا من التعرف على مسار الأدب بالجزائر. كما وجدت نفسها أمام نص قوي لم تتمكن من التوقف عن قراءته، رغم ضمه لبعض المقاطع الصعبة جدا، ولأنه يتضمن أيضا نوعا من الهلوسة المدروسة وإيقاعا نتج من الجمل البسيطة والقصيرة للرواية، والذي لم يكن من السهل الحفاظ عليه في الترجمة.

وتحكي رواية "أريّس" قصة امراة شابة أمية، تعيش في منطقة معزولة، تجد نفسها مكتوفة الأيدي أمام مرض ابنها "أريّس"، صاحب الأربع سنوات، بالسرطان، فتلجأ في البداية إلى طبيب الدشرة، ثم إلى المشفى، إلا أنها تعجز عن دفع تكاليف العلاج، فيطلب منها مدير المشفى ترك ابنها والعودة لاحقا، لكنه يقوم ببيع الطفل إلى زوج أجنبي، ويعيش "أريّس" عيشة معززة مع هذه العائلة، بل يعامل وكأنه أمير، إلا أن ذلك لم يمنعه من الشعور بالحزن بدون أن يعلم سبب ذلك، وكأنه يفتقد شيئا ما، رغم زواجه بامرأة يحبها وتربيته لكلبة، لرفضه الإنجاب، إلى أن تقرر والدته بالتبني، وهي تحتضر، إخباره بحقيقة أنه طفل قدم من دشرة معينة، فيقرر بعد أن أصبح قبطانا مرموقا في البحرية، أن يسافر إلى بلدته الأصلية، فهل سيجد والدته؟ وهل سيتذكر قصة الالهة أراكي التي كانت أمه تقصها له دوما؟ هل سيتجاوز الاعتداء الجنسي الذي تعرض له مرتين حينما كان طفلا في المشفى؟

في هذا السياق، أكدت سعيدي صعوبة، بل استحالة أن يعيش الإنسان في سلام من دون جذور تؤكد أصالته، وهو ما حدث لأريّس، بالإضافة إلى تناول الرواية للعديد من الرمزيات الأخرى، مثل تأثير البحر في تشكيل الهوية من خلال الاحتكاك بالثقافات المختلفة، وكذا مفهوم الحضارة، وغيرها من المسائل التي تطرقت إليها مشاكرة في عملها الذي استلهمت فيه أيضا، من عملها كطبيبة للأمراض العقلية في القرى والمداشر، خصوصا احتكاكها بالنساء اللواتي وجدن أنفسهن يربين أطفالهن وحدهن. أيضا لم يشأ أريّس أن ينجب أطفالا، لأنه لا يملك حكاية يحكيها لهم، لأنه إنسان بلا جذور.

ودائما مع الرمزيات، نجد تعالي الطبيب على المرضى، لأنهم قرويون وفقراء، وهو رمز لتعالي المثقف على المواطن البسيط، وعملية الاغتصاب التي تعرض لها أريّس، والتي تمثل رمزية لاغتصاب الهوية، كما وصفت مشاكرة في روايتها هذه بدقة واحترافية، تغيرات نفسية الطفل المعتدى عليه، حيث كان يعتقد في البداية، أن ما حدث له تعاطف وليس اعتداء. وأضافت أن هذه الرواية فلسفية، تؤكد لنا وجود آلام لا يمكن علاجها، كما أنها تطرح فيها الكاتبة أسئلة وجودية حول الحياة.

بالمقابل، ذكرت لميس سعيدي أهمية أن يروق لها النص الذي تسعى إلى ترجمته، مضيفة أنه ليس كل نص قادر أن يُترجم، فيمكن أن يكون محليا بدرجة كبيرة، من الصعب، بل ربما من المستحيل الحفاظ على مميزاته في حال الترجمة. كما اعتبرت أن ترجمتها لعمل إلى اللغة العربية، يعد أيضا محاولة لتجريبه في هذه اللغة، متسائلة "هل يمكن لهذا العمل أن يعيش القفزة إلى لغة أخرى؟".