في ذكرى "8 ماي 1945"

فنانو الثورة يشهدون بتاريخ فرقة جبهة التحرير

فنانو الثورة يشهدون بتاريخ فرقة جبهة التحرير
  • القراءات: 1047
مريم. ن مريم. ن

احتفل التلفزيون الجزائري، أول أمس، باليوم الوطني للذاكرة، من خلال سهرة فنية تاريخية تضمنت فيلما وثائقيا مهما، لم يعرض منذ سنوات طويلة منذ إنجازه مع بداية الثمانينات، ويخص المقاومة الثقافية في ظل الاحتلال الفرنسي وأهميتها في كسر الدعاية الفرنسية الكاذبة، المكرسة لفكرة الجزائر فرنسية، ويقدم أعضاء الفرقة الفنية لجبهة التحرير بشحمهم ولحمهم، شهاداتهم بألسنتهم أمام الكاميرا.

تناول الفيلم الوثائقي، تاريخ الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني بشهادات حية من أعضائها، منهم مصطفى كاتب ومحمد بوزيدي ومصطفى سحنون وسيد علي كويرات والطاهر بن أحمد وطه العامري ويحيى بن مبروك وجعفر باك، وغيرهم من الذين قدموا ذلك التاريخ بالتفصيل، عكس ما كان يعرض فيما قبل في وثائقيات يحكي فيها آخرون عن هذا التاريخ. التعليق الصوتي في الفيلم الأول عن فرقة جبهة التحرير، كان للراحل عبد القادر طالبي بلهجة جزائرية مهذبة وبنص راق، ومن بين المتحدثين العمالقة، كان الراحل محمد بوزيدي الشاعر والكاتب والإعلامي الذي أكد أن الهدف من إنشاء الثورة للفرقة، هو تكسير الدعاية الفرنسية القائلة؛ إن الشعب الجزائري لا تاريخ ولا أصل له، بالتالي يفتقد لأي هوية ثقافية.

تم أيضا التوقف في هذا الفيلم القديم عند أحداث الثامن ماي 1945، التي فجرت الثورة في وجدان الشعب الجزائري، إلى أن أصبحت بركانا هائجا، ومن بين الذين أرخوا فنيا لهذا التاريخ الراحل أحمد وهبي، حيث بثت أغنية له سجلها سنة 1959، تحمل عنوان "8 ماي 45". يحكي كل هؤلاء الفنانين عن ظروف الالتحاق بالفرقة، بعد تلبية نداء قيادة الثورة وتأسيس الخلية الأولى في أوروبا، خاصة بين بلجيكا وإيطاليا وألمانيا، حيث كان هناك مكاتب تابعة لجبهة التحرير، أما الفنانون داخل الوطن، فتعرض أغلبهم للرقابة والتضييق، وهكذا ولدت الفرقة في تونس لتعرض عبر دول العالم وتعرف بالقضية الجزائرية والهوية والثقافة لشعب يتعرض للقهر والتقتيل.

ولأن المتحدثين كانوا مناضلين وعاشوا تلك المحن، فقد جاءت شهاداتهم صادقة وأحيانا متوهجة بالذكريات وبصوت جهوري، كما كان الحال مع الراحل عريوات الذي يبغض المستعمر حتى النخاع، وقال إن فرنسا قالت عن الجزائريين أنهم لا يحسنون سوى الذبح وسفك الدماء، لكن العالم رأى من خلال الفرقة عكس ذلك، حيث بينت العروض أعراس الجزائريين وأغانيهم وزغاريدهم ولباسهم التقليدي ورقصهم عبر مختلف المناطق، مما أدهش ضحايا الدعاية الفرنسية وراحوا يؤيدون القضية الجزائرية. كما أسهب الراحل مصطفى كاتب في الحديث عن مرحلة التأسيس في نهاية 1957، حيث كلفته القيادة في"ولاية فرنسا" بالاتصال بكل الفنانين الجزائريين، ليلتحقوا بتونس، وقد بلغ عددهم 35 فنانا وتقنيا، وهكذا ـ كما قال الراحل كاتب ـ انتقلت المعركة لتشمل الميدان الثقافي. كما تم الحديث في هذا الفيلم، عن الراحل بوعلام رايس العمود الفقري للفرقة، حيث كتب لها الروائع المسرحية، منها "أبناء القصبة" التي تعكس جهاد أبناء المدن، وكذا الخالدون التي تحكي جهاد أبناء الريف، خاصة بعد معركة الميلية، ثم "دم الأحرار"، إضافة لأعمال أخرى أقل ضخامة.

يكتشف المتفرج من خلال هذا الفيلم، العديد من الأسماء اللامعة التي غابت عن الساحة، منها مثلا، الهادي رجب الذي التحق بالفرقة في 13 سنة من العمر، وسعيد سايح الذي توفي قبل أسابيع، وجعفر باك الذي تحدث عن العروض أمام جنود جيش التحرير ومع اللاجئين على الحدود، كما كان يؤدي بعض الأغاني الفكاهية ردا على الأحداث السياسية، منها صلح الشجعان الذي أطلقه ديغول. وظهر أيضا التقني أحمد حرب الذي رافق الفرقة، ومحمد كواسي مصور الفرقة الذي ترك كل ما يملكه هو وزوجته من أجل الثورة، وصور أهم لقطات العروض والزيارات، خاصة للعاصمة موسكو، وحمل بذلك الوثائقي شهادات مهمة وثرية قاربت الساعتين، تعرض تاريخا مهما لفيلم ظل حبيس الأدراج.