مسرح العلمة يعود لنصوص كاكي

فرجة ورسالة في "القرّاب والصالحين"

فرجة ورسالة في "القرّاب والصالحين"
  • القراءات: 1327
دليلة مالك دليلة مالك

قدّم مسرح العلمة الجهوي، أوّل أمس بالمسرح الوطني الجزائري "محيي الدين بشطارزي"، عرضه الجديد "القرّاب والصالحين" للمؤلّف الراحل ولد عبد الرحمان كاكي، وأخرجها نبيل بن سكة في مقاربة فنية عصرية متفرّدة تجلّت بالوصلات الكوريغرافية المبهرة، المستقاة من الخدع البصرية واستعمال الضوء والظلام لتحقيق لوحات فنية راقية.

يبعث المخرج بأرواح ثلاثة من أولياء الله الصالحين المعروفين في الجزائر وهم سيدي عبد الرحمان الثعالبي وسيدي بومدين الغوث وسيدي عبد القادر الجيلالي، ويسخّر لهم لقاء مع أناس من الوقت الراهن، في حوار مثير، أسفر عن العديد من الرسائل التي تبناها المعطى الدرامي الجديد الذي عكف عليه المخرج نبيل بن سكة بإعادة الكتابة الدرامية عن نص أصلي لعملاق المسرح الجزائري، ولد عبد الرحمان كاكي. 

إعادة الأعمال الجزائرية الناجحة يعد تحديا رفعه مسرح العلمة، "القرّاب والصالحين" الذي أنتجه في 1982 مسرح وهران الجهوي، يقدّم اليوم في شكل وروح جديدتين، مع الاحتفاظ ببعض "النكهات" الأساسية، التي منحت للعمل شخصيته الخاصة به، حتى وإن أنقص من غناء الأشعار في مستهل المسرحية، إلاّ أنّ المخرج نبيل بن سكة احتفظ بمقطع "هاااا الما .. من عند سيدي ربي.. جايبو من عند سيدي العقبي" ليكون مدخلا للعرض.

الساقي سيد علي الفقير يبيع الماء الذي يملؤه من ينبوع "سيدي العقبي"، لكن الفقر الذي ضرب قريته جعلهم لا يدفعون المال له، بالمقابل يدعون له بالخير والصحة والبركة، لكنه ما يلبث حتى ينتفض على وضعه، يدعو الله بجاه أولياء الصالحين أن يتغيّر حاله، هذا الدعاء يجعل ثلاثة من الصالحين يقفون عند رأسه ملبين لحاجته، لكن الدهشة تربكه، ولزوم الضيافة يعجز عليه، الأمر الذي أجبره على أخذهم للسيدة صليحة بعد أن فرغت القرية من رجال قادرين على استضافتهم. يحيل العمل بالمتلقي إلى مشاهد كثيرة، تناول مواضيع الرجولة والنية التي غابت الآن، من خلال سرد نماذج من الواقع، هي قصص تعبّر عن راهن صعب، ويستنفر ذهنية الناس التي تؤمن أنّ الخير مصدر الشعوذة والزيارات التي تقام على شرف أولياء الله الصالحين، والمسرحية تعري هذا الواقع، وبلغة واضحة تؤكّد أنّ الخير يأتي بالعمل الجدي والتعب المتواصل وليس الدعاء للأولياء.

وتدين المسرحية الأفعال الجاهلة من شعوذة وطقوس غريبة أريد بها الخير، لأنّه لا مناص من الاستثمار الصحيح للمال، ويمكن لمس دعوة صريحة بغلق الزوايا والحثّ على العمل الصائب القادر على تحقيق نمو اقتصادي قوي، والكف عن انتظار المعجزات التي ولى زمانها. أداء الممثلين كان منسجما إلى حدّ بعيد، أما السينوغرافيا فكانت الحلقة الأقوى في العرض، بفضل الدعامة الكوريغرافية الجميلة والاعتماد على تقنيات السمعي البصري الحديثة التي من شأنها أن تكسب رهان الفرجة والمتعة.