الدكتور الكويتي بدر عازمي لـ«المساء»:

فتحنا مدرسة عربية في البرازيل ومعجب بعبد الحميد بن باديس

فتحنا مدرسة عربية في البرازيل ومعجب بعبد الحميد بن باديس
  • القراءات: 3524
حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

الدكتور الكويتي بدر عازمي، متخصّص في أصول التربية وأستاذ مشارك في كلية التربية الإسلامية في جامعة الكويت، انخرط في العمل التطوّعي في الكثير من الدول الإفريقية انطلاقا من الإغاثة، وصولا إلى تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، ومنه انتقل إلى البرازيل لأداء نفس المهمة.

«المساء» التقت به على هامش مشاركته في الملتقى الدولي «التعليم عن بعد بين النظرية والتطبيق، الجزائر أنموذجا»، الذي نظمه مخبر الممارسات اللغوية بجامعة تيزي وزو في نهاية السنة الماضية، فكان هذا الحوار.

❊ من العمل التطوعي في إفريقيا إلى البرازيل، حدّثنا عن مغامراتك التي لا تنتهي في مجال تعليم اللغة العربية؟

❊❊ أنا الدكتور بدر العازمي من الكويت، أعمل أستاذا مشاركا في كلية التربية الأساسية في جامعة الكويت، تخصّص أصول التربية، عندي اهتمامات في تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها، إضافة إلى اهتمامات تطوعية خيرية، وعملت في هذا السياق في عدة دول من قارة إفريقيا، مثل السودان، كينيا، النيجر، غانا، الطوغو والبنين، وهي زيارات تطوعية هدفها تعليم تحفيظ القرآن واللغة العربية لغير الناطقين بها.

نقلت التجربة بعدها إلى منطقة بعيدة مغايرة، وبالضبط إلى أمريكا اللاتينية، بعد أن ذهبت ضمن فرقة علمية إلى البرازيل سنة 2013، واكتشفت أمامي جالية مسلمة عربية لا تتكلّم اللغة العربية، لأنّ أجدادهم قدموا إلى البرازيل في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، ثم نسي أولادهم ومن بعدهم أحفادهم اللغة العربية وتقاليد وعادات الأجداد، خاصة بعد اختلاطهم بالمجتمع البرازيلي، هم يقولون نحن مسلمون لكن لا نستطيع أن نقرأ اللغة العربية ولا نتحدّث بها، والبعض أيضا يطبق الدين والبعض لا يطبق، حتى أنّ هناك من المسلمين من يصلي في الكنيسة ولا يعرف الفرق بين الكنيسة والمسجد، وهناك من يدفن في مقابر النصارى.

لهذا بفضل الله أسّسنا مركزا ثقافيا معرفيا إسلاميا هناك، وأنا عضو مجلس تأسيس هذا المركز الذي يقع في مدينة بارانا البرازلية، وعند رجوعي إلى الكويت خاطبت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بأن يدعموا هذا المركز لأنه قيد التأسيس، وأخبرتهم أن هناك مشروع إنشاء مدرسة لتعليم اللغة العربية من خلال هذا المركز حتى نستطيع أن نعلم أبناء الجاليات الإسلامية هناك.

❊ ماذا كان رد وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت؟

❊❊ إيجابي، واستطعنا أخذ دعم سخي جدا قارب المليون دولار، وهكذا تمّ بناء هذا المركز في نوفمبر الماضي، وبعد الانتهاء من بنائه اتّجهت إلى الهدف المحدد وهو إنشاء مدرسة لتعليم اللغة العربية فيه، والمدرسة حاليا قيد التأسيس وستبدأ النشاط في بداية الدخول المدرسي في البرازيل في شهر فبراير. وقد وضعنا مناهج اللغة العربية، وفتحنا فصولا في الفترة الماضية كتجربة لتدريس اللغة العربية للأطفال والكبار ولدينا فصلين؛ فصل المبتدئين للصغار وفصل محو الأمية للكبار. وسنستعين بمن يجيدون  اللغة العربية من المقيمين بالبرازيل من جزائريين ومغاربة ومصريين وسوريين لتوكل إليهم مهمة التدريس.

❊ كيف كان تدريس اللغة العربية بالبرازيل قبل إنشاء هذه المدرسة؟

❊❊أعتبر تجربتنا بالبرازيل في غاية الأهمية، فهو البلد الذي تجتازه بالطائرة من بدايته إلى نهايته في مدة خمس ساعات، وفي هذا السياق، اعتمدنا كثيرا على التعليم عن بعد، فقد كنا ندرّس فقط في أيام العطلة، وبالضبط يوميّ السبت والأحد، نظرا لظروف الناس، فأغلبهم فقراء يعملون إلى وقت متأخر من المساء، فلا يمكن أن نبدأ الدراسة في السادسة أو السابعة لأنّ والد الطفل يكون مرهقا ولا يستطيع أن يجلب ابنه، كما أنّ الأمن في البرازيل ضعيف، لذلك فتحنا فصول تقوية في نهاية الأسبوع، لكن هذا لا يمنع أننا طيلة أيام الأسبوع الأخرى، أي من الإثنين إلى الجمعة، نقدّم دروسا للطلبة عن طريق «الفايسبوك»، حيث يتم عرض المنهج والفصول والواجبات اليومية، وهكذا يحفظ الطالب الدرس تم يأتي في نهاية الأسبوع وجها لوجه مع الأستاذ ويشرح له ما صعب عليه، وقد حقّقت هذه التجربة نجاحا كبيرا. وفي هذا السياق، قمنا في السابق بتأسيس مركز مؤقت في بيت استأجرناه، لكن مركزنا اليوم له ميزانية ويتربع على مساحة قدرها 1500 متر مربع.

❊ هل تهتمون بتعليم اللغة العربية فقط للبرازيليين من أصول عربية أم للجميع؟

❊❊ هدفنا الأول؛ جعل الناس يستأنسون اللغة العربية، لهذا نريد أن نعمل على تهيئة استقطاب التلاميذ وتحبيبهم اللغة، هناك مكافآت مادية لكلّ شخص يحضر الدرس، وهذا من باب تشجيع الطلبة، كما سنعتمد المنهج البرازيلي لكي يتم اعتماد الشهادة رسميا، بالتالي في المرحلة الأولى نهتم بالطلبة من أصول عربية وفي المرحلة الثانية نفتح مجال إلقاء الدرس على الجميع. 

❊ عودة إلى إفريقيا، هل أنت متطوع على حسابك أم منخرط في جمعية ما؟

❊❊ كنت متطوعا في جمعية «العون المباشر» التي أسّسها الدكتور الراحل عبد الرحمن السميط، وكنت أسافر إلى إفريقيا عن طريق هذه المؤسسة، لكن في الكثير من المرات، ذهبت شخصيا إلى هناك لأنني مؤمن بهذا العمل التطوعي حتى في البرازيل كل أعمالي تطوعية.

❊ هل أسستم مدارس في بلدان إفريقية؟

❊❊ أسسنا مدارس كثيرة جدا وكنا أيضا نستقطع من المدارس الحكومية، حصة واحدة لتدريس اللغة العربية، وفي المقابل نغري هذه المدرسة بأنّ جميع أبناء الطلبة المسلمين سيسجلون معهم، فنقول لهم استفيدوا من الطلبة، وفي المقابل نريد منكم أن تعطونا حصة للغة العربية ونحن الذين ندرّسها، وقد طبقنا ذلك في البرازيل وبالضبط في كنيسة تملك مدرسة كنيسية حكومية وتدرّس المنهج البرازيلي، فطلبنا منها بأن ندرس أبناءنا اللغة العربية في مدرستهم، وهذا وقت الغذاء ووافقوا على ذلك، كما عرضت عليّ وزارة التربية في البرازيل توفير معلمين للغة العربية لأنّهم يريدون أن يضعوا هذه التجارب في مدارس أخرى وهم يتكفلون برواتب المعلمين.

❊ هل هناك إقبال على دراسة اللغة العربية في الدول الإفريقية؟

❊❊ هناك إقبال جد قوي، ويرتبط ذلك بالقرآن الكريم، فتحفيظ القرآن الكريم يستوجب تعليم اللغة العربيةـ عندهم ـ، فتجدهم مهتمين جدا بتعلّمها. كنت في كينيا سنة  1993 وعندنا مراكز كثيرة في جمعية «العون المباشر» تضم آلاف الطلبة، وآخر زيارة لي كانت إلى النيجر وجلسنا في المدارس التي تضم طلبة كلهم من حفظة القرآن ويجيدون اللغة العربية، لكن في البرازيل الوضع مختلف، وهو ما يشكّل تحديا كبيرا لنا.

❊ هل تتحدث معهم باللغة الإنجليزية؟

❊❊ نعم لأنني أجيد اللغة العربية واللغة الإنجليزية فقط ، لذلك أعتمد على زملاء يساعدونني في اللغات الأخرى، لكن في البرازيل يفهم الطالب من أصول عربية اللغة العربية وإن كان لا يتحدّثها، ففي أشهر قليلة يمكن له أن يتكلّم اللغة العربية.

❊ ماذا عن إنتاجك الأدبي؟

❊❊ أنا عضو رابطة الأدباء الكويتيين، وعندي سلسلة أدبية رومانسية عن علاقة الرجل بالمرأة من المنظور الشرقي، اسمها سلسلة «ثقافة العاطفة» ومكّونة من ثلاثة أجزاء، الجزء الأوّل يحمل عنوان «حديث الطمأنينة»، وهو في فلسفة الحب، ما هو الحب؟ وهل يجوز الحب؟ وهل هو خير أم شر؟، وهل للرجل أن يحب المرأة والعكس صحيح، وإن أحبت المرأة ما هي الحدود؟ كل هذه الضوابط تكلمت عنها بأسلوب رومانسي.

❊ تتعرض في كتابك إلى أسئلة فلسفية، فهل يعود ذلك إلى تعلقك بهذا العلم؟

❊❊ تأثّرت كثيرا بمصطفى صادق الرافعي وبكتبه «وحي القلم» و«حديث القمر»، فقد تكلّم عن عاطفة الحب التي خلقها الله في الإنسان لاستمرار البشرية، والتي يجب علينا أن نستغلها استغلالا صحيحا، لأنّ بالحب يحيا الإنسان، بالحب ترى الأشياء جميلة وكلّ المصائب تراها صغيرة، أما في قلب لا يكون فيه حب تكون المشاكل وإن صغرت عظيمة.

❊ ماذا عن الجزء الثاني من السلسلة؟ 

❊❊ الجزء الثاني من السلسلة، يشرح حديث الطمأنينة الذي هو صغير لكنّه عميق، في 120 صحفة من القطع الصغير، أما الجزء الثاني فيقارب 400 صفحة وهو يشرح الجزء الأول، في حين يعتبر الجزء الثالث رواية رومانسية بعنوان «العاتكة والغريب» والعاتكة هي المرأة النبيلة المصون التي تحفظ مكانتها العفيفة الشريفة وذات الحسب والنسب، ففي حديث للنبي صلى الله عليه وسلم قال «أنا ابن العواتك»، أي النساء الصافيات الحرائر، وهي قصة بين رجل من عامة الشعب يقع في حب ابنة الملك وتواجهه صعوبات، لكن ينتصر الحب على جميع الفوارق الاجتماعية والاقتصادية،  في دراما فنية رومانسية رائعة جدا. 

❊ لماذا نشرت كتابك في دار نشر غير كويتية؟

❊❊ نشرت كتبي في دار تعتبر إقليميا ناجحة، وهي دار «المدارك» التي يرأسها تركي الدخيل رئيس قناة «العربية»، فقد كانت لديّ عروض كثيرة من الكويت، لكنني رفضتها لأننّي أريد أن تكون أعمالي منتشرة على الأقل إقليميا في الشرق الأوسط، وكتبي موجودة في النت ويمكن اقتناؤها بثمن بسيط.

❊ ماذا عن جديد الدكتور؟

❊❊ جديدي رواية رومانسية في البرازيل، والحقيقة أنني أهتم كثيرا بالمرأة التي أرى بأنها مهضومة الحقوق  وتستغل عاطفيا من الرجل من باب الحب وهذا خطأ. 

❊ ماذا تعرف عن الثقافة الجزائرية؟

❊❊ القليل، عندي كتاب مقرر دراسي منهجي أدرّسه في الكلية، اسمه «مقدمة في الفكر التربوي الإسلامي»، وأتكلّم عن إعلام الفكر التربوي الإسلامي، ألّفته سنة 2002 ووضعت فيه شخصية عبد الحميد بن باديس كعلم من أعلام الفكر الذي يمثّل التيار الجزائري، والحقيقة قرأت الكثير عن العلاّمة بن باديس وأحببت هذا الرجل حتى أنني ذهبت إلى قسنطينة بعد مشاركتي في الملتقى الدولي للتعليم العالي بتيزي وزو والتقيت بأخيه، وهذه معرفتي بالثقافة الجزائرية، أي من باب التعليم.

❊ لماذا انتقل الدكتور من المشاركة في الإغاثة إلى التعليم في مجال العمل الخيري؟

❊❊ انطلقت في العمل الخيري من باب الإغاثة، لكنني لم أستقر هناك لأن تقديم وجبة في اليوم لا يغريني بقدر تعليمي للغة العربية، وهو ما يدوم إلى الأبد بالنسبة للمتلقي، ويدفعه إلى حياة أفضل. نعم «علمني كيف أصطاد ولا تعطني سمكة»، حتى أن ذلك يدخل في معنى العفاف، فالعمل عبادة في الإسلام، لذلك أردت أن أعلّم الناس حتى يعيشوا حياة أفضل والعلم بركة ونور، فوجدت أنّ أفضل الطرق لي هي تدريس من لم تتح له ظروفه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لكي يواصل دراسته، فنفتح المدارس وإن كانت متواضعة، لكن فيما بعد تكون واعدة، وأتوجه إلى الأماكن التي فيها ندرة وحينما وجدت أن الكثير من المتطوعين في إفريقيا ذهبت إلى منطقة أبعد، كما يستغرق سفري من كويت إلى البرازيل 24 ساعة في الطائرة، لكن الإخوة يحتاجون إلينا وعندهم عجز ونحن في الخدمة.