ڑتراثها مصنف من «اليونسكو»

غرداية تجتهد في صون معالمها المصنفة

غرداية تجتهد في صون معالمها المصنفة
  • القراءات: 1863

يتطلب التراث المعماري الذي تتميز به منطقة وادي ميزاب بولاية غرداية (600 كلم جنوب الجزائر)، المصنف من قبل اليونسكو ضمن التراث العالمي منذ 35 سنة مضت، المحافظة عليه بما يضمن بقاءه في وضعية سليمة لأطول فترة ممكنة لفائدة الأجيال الناشئة.

تعد هذه التحفة المعمارية ثمرة العمل الجاد والمتواصل لأسلاف المنطقة الذين تمكنوا من تطويع طبيعة قاحلة وصحراوية، من خلال استحداث مراكز حضرية متجانسة بشكل واضح وفريدة بهندستها المعمارية التي تعكسها قصور المدن المحصنة لميزاب.

يشكل هذا المنظر المعماري «الفريد من نوعه» عنصرا للتعرف على عبقرية سكان عمروا المنطقة منذ أزيد من ألف سنة، وأورث تراثا للأجيال القادمة.

أصبح الطراز المعماري الفريد لوادي ميزاب الذي يجسد الذاكرة الجماعية للعديد من المهندسين والمعماريين، لاسيما أتباع المدرسة الفرنسية السويسرية «لو كوربوزييه» (مدرسة عالمية للهندسة المعمارية)، فضاء لاستقطاب وجذب العديد من الباحثين والسياح

يأتي تصنيف منظمة اليونسكو لهذا الفضاء المعماري والحضري،  نتيجة العديد من عمليات التهيئة والتأهيل التي تقوم بها دوريا السلطات العمومية بغرداية، من أجل الحفاظ عليه وارتباط السكان والفاعلين المحليين بتراثهم المادي.

تمكنت منطقة ميزاب بمجمل قصورها المصممة ببراعة وبطابع معماري متميز في شكل مدرج، منغمس بموقع صخري مع مراعاة المناخ والتصاميم الإسلامية من المحافظة على هيكلها المعماري، خلال عدة قرون، قبل أن تصبح مركز اهتمام منظمة الأمم المتحدة.

كما أصبح التراث المعماري لوادي ميزاب، بما في ذلك المنازل التقليدية التي شيدت وفقا لهندسة معمارية مدروسة، ومنشآت الماء القديمة التي تعود للأجداد، مع أنظمة توزيع المياه في بيئة تتشكل من واحات وبساتين النخيل وآبار تقليدية، عوامل جذب للباحثين والسياح.

إذا كان تصنيف وادي ميزاب تراثا عالميا يمنحه اعترافا دوليا،  فإنه كذلك يستوجب الأمر المحافظة عليه وإعادة تأهيله وتسيير أفضل له.

تم منذ سنة 1982، تاريخ تصنيف سهل وادي ميزاب ضمن لائحة التراث العالمي، إطلاق العديد من العمليات من طرف السلطات العمومية، من أجل تعزيز ديناميكية الجذب السياحي بالمنطقة، مع المحافظة وتثمين التراث المعماري والثقافي وتهيئة المواقع التراثية.

تجسيد عدة عمليات للترميم والتجديد

جرى تجسيد ما لا يقل عن 20 عملية ترميم وتجديد للتراث المعماري النمطي، والمعالم التاريخية القديمة التي تضررت مع الوقت بوادي ميزاب منذ سنة 2016.

يذكر أن العديد من عمليات ترميم المعالم والمواقع السكنية المهددة بالانهيار، تمت من طرف السلطات العمومية على مستوى مختلف قصور وادي ميزاب، وجرى إطلاق منذ عام 2014 خمس عمليات إعادة تأهيل وترميم ساحات أسواق القصور ومعالم جنائزية وفضاءات عبادة ومساجد. كما أن العمليات الموجهة لمحو مخلفات الأحداث المؤلمة التي عرفتها منطقة غرداية، تمت كذلك من أجل حماية هذا التراث المتميز.

يعد وادي ميزاب بقصوره العريقة، بمثابة شهادة لحضارة ذكية شيدت من طرف الأجداد منذ قرون عديدة، حسب أعيان المنطقة ورئيس مؤسسة «أميدول» المبادرة بمشروع إنجاز القصر الجديد لتافيلالت (بني يزجن).

يعتبر هذا القصر الواقع بأعالي مدينة بني يزجن، أول تجربة فريدة من نوعها لبناء نموذج لقصر يجمع بين الحداثة والتقليد بمنازل مشيدة، وفقا لخصوصيات النمط المعماري المحلي.

تهدف مؤسسة «أميدول» من خلال تجسيد هذا الفضاء العمراني الجديد والمتميز، الذي يضم 1.050 بناية بمجموع 5.000 نسمة،  إلى تسجيل تاريخ المنطقة، كما فعله الأسلاف من خلال البناء باستعمال مواد محلية والجمع بين الهندسة المعمارية والتنمية المستدامة، مع إيلاء اهتمام خاص لجانب المحافظة على البيئة والعيش الجماعي.   

أصبحت تجربة بناء قصر تافيلالت الجديد، مع مراعاة الحفاظ على الهوية الثقافية والمعمارية للمنطقة، ونظام الاستغلال القابل للحياة في النظام الإيكولوجي للواحات، تشكل محل فضول، كما ألهمت العديد من الباحثين والمهندسين المعماريين والسياح.

تحظى الشهرة المعمارية والقيم الثقافية والبيداغوجية لوادي ميزاب، بأهمية عالمية يتعين الحفاظ عليها، كما يرى الفاعلون في النشاط السياحي بالمنطقة.

لهذا، فإن السلطات العمومية تطمح إلى إعطاء زخم جديد لمنطقة غرداية التي تضررت كثيرا من أزمة السياحة العالمية، على غرار المناطق الأخرى، من خلال حماية وتثمين التراث المعماري الفريد من نوعه المصنف.

تتجسد هذه الجهود الرامية إلى تثمين والمحافظة على هذه التحف المعمارية، التي شيدت بمهارات وذكاء خارق من قبل السكان الأوائل لمنطقة سهل ميزاب، في إطلاق مخطط المحافظة لسهل وادي ميزاب المصنف «قطاعا محميا» في عام 2005، طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 5/ 209.

يجري تنفيذ هذا المخطط المتطابق مع قانون 04/98 الصادر في 15 /7 /1998 حول التراث، من قبل مكتب دراسات، مع تسجيل تأخير «كبير» حسب مسؤولي الثقافة.

ق.ث