عـن دار"داليمان"
عيون في الظهر تعيد إحياء مآثر الأمير عبد القادر
- 148
لطيفة داريب
كان الكاتب عزوز بقاق يتحدث عن روايته الجديدة الصادرة عن دار "داليمان" بعنوان "عيون في الظهر" في جناح الاتحاد الأوروبي بـ«سيلا2025" . وفجأة توقف وكأنه اكتشف أمرا ما وقال: "شخصيتا الرواية هما أنا؛ أنا الذي طالما قاومت الظروف الصعبة في هذه الحياة".
ذكر الكاتب والوزير الفرنسي الأسبق عزوز بقاق في الندوة التي نشطها حول كتابه الجديد "عيون في الظهر" الذي نُشر في نسخته الجزائرية عن دار داليمان بعد أن تم نشره سابقا بفرنسا، أن ناشره أظهر له صورة رجل أعمى يحمل رجلا مقعدا، كل واحد يقدم خدمة للآخر. وطلب منه إمكانية الكتابة عنهما، فأجاب عزوز بالإيجاب، وبدأ في رحلة البحث والكتابة، ووضع الكثير من شخصه في هذه الرواية التاريخية، التي أضفى عليها حادثة تاريخية مهمة جدا، تتمثل في إنقاذ الأمير عبد القادر المسيحيين بسوريا في حربهم ضد الدروز عام 1860.
وقال بقاق إنّ كل ما ذكره في روايته هذه حقيقة، لكن نسج بين أحداثها خيوطا خيالية، ممثلا باليوم المشؤوم الذي كاد فيه المسيحيون أن يتعرضوا للإبادة. وهو نفس اليوم الذي تخيل فيه بقاق إبراهيمَ الأعمى يغني بصوت شجي، أطرب كل من كان في ساحة المسجد الأموي بدمشق، ومن بينهم شيخ أخبره عن اندلاع وشيك لحرب بين المسلمين والمسيحيين. والدليل قدوم باخرتين إحداهما بريطانية لحماية الدروز، والثانية فرنسية لحماية المسيحيين، فشعر إبراهيم بالرعب، ولم يفهم سبب الخلاف بين الطائفتين، فهو المسلم الأعمى الذي يحمل صديقه المسرحي المشلول على ظهره، والحياة بينهما مستمرة، كل واحد يساعد الآخر رغم الصعوبات التي يتعرضان لها، خاصة أنهم فقيران جدا؛ فكيف في اليوم الذي أخبرته خادمة الجميلة سوزانا أنه غنى بشكل رائع، وأهدته ثلاث زهرات، ستقوم حرب بين أبناء البلد الواحد؟.
وذكر بقاق أنه أخاط لقاء بين الأمير عبد القادر منقذ المسحيين وإبراهيم وإلياس، وتحدّث عن إعجاب إبراهيم بالأمير؛ فهو إن كان أعمى البصر فهو ليس بأعمى البصيرة، وبالتالي أدرك عظمة الأمير الذي أنقذ المسحيين بسوريا من موت محدق في 7 جويلية 1860.
كما تحدّث الكاتب عن رغبته الشديدة في التعريف بالشخصيات الثورية الجزائرية العظيمة بفرنسا، خاصة تلك التي حاربت المستعمر وفي أولها الأمير عبد القادر الذي يجهله كثير من أبناء الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا، فوجد في قصة الرجلين العجيبين، كفيفا يحمل مشلولا، وعاشا في القرن التاسع عشر بسوريا، واحد أعمى موضوع رواية وضع فيها العديد من الشخصيات التي التقى بها حينما زار سوريا عام 1992؛ مثل الشيخ الجالس في ساحة المسجد الأموي تحت حرارة ربما فاقت 50 درجة. والمرأة التي أرادت أن تقرأ طالعه، لكنه خاف وفر منها، وكذا بسوزانا المرأة المسيحية التي أخذته الى مخيم للاجئين بصبرا وشتيلا.
كل هذه الشخصيات استلهمها الكاتب في روايته، ليؤكد حقيقة ما كتب؛ مثل قدوم سفينتين إحداهما فرنسية، والثانية إنجليزية لتأجيج الوضع في 7 جويلية 1860؛ أي اليوم الذي كادت أن تحدث فيه مجزرة، ليكتب عن سوريا بعد 32 سنة من زيارته لها.
وكتب بقاق في روايته هذه، عن الصداقة الممكنة بين المسلمين والمسيحيين، والتي دافع عنها الأمير عبد القادر بمنعه المجزرة، وهو ما نتج عنه عرفان العالم كله بموقفه حتى إن هناك مدينة أمريكية اسمها الأمير عبد القادر، زارها عزوز مرتين، وسعد كثيرا بذلك، في حين تأسف عن تجاهل فرنسا شخصية الأمير عن قصد، وهو ما دفعه إلى الكتابة عنه في هذا العمل.
وتوقف بقاق عند نقطة تنص على أهمية الكتاب في حياة الفرد، وبالتالي ضرورة القراءة المتواصلة، وهو مطلبه أمام الشباب، مضيفا أن الأمير عبد القادر كان كلما ارتحل إلى مكان ما أخذ معه كتبه، التي للأسف لم يحترم الجيش الفرنسي أهميتها، فأحرق الكثير منها، وأنه أدرك قيمة الكتاب رغم أن والديه أميّان، لم يكونا يحسنا الكتابة ولا القراءة، وهما اللذان غادرا سطيف الى ليون عام 1948.
وتحدّث الكاتب أيضا عن العنصرية التي طالته بفرنسا، فقرر حينما كان يعيش في بيت هش، أن يصبح كاتبا، مشيرا الى مسؤوليته كمثقف، في الحديث، والكتابة عن التاريخ، وتبسيط الخطاب للملتقي الشاب، ليعلن عن ترجمة وشيكة لروايته الى اللغة الإنجليزية.