عيون وفوارات سطيف

عين الفوارة تختزل منابع الماء الزلال

عين الفوارة تختزل منابع الماء الزلال
  • القراءات: 6659
منصور حليتيم منصور حليتيم

 من غير المعقول أن تزور سطيف دون أن تحط رحالك بعين الفوارة لتروي عطشك بمياهها العذبة، وإذا زرت سطيف ولم تزر عين الفوارة فزيارتك باطلة، ومن زار سطيف وارتوى بمياه عين الفوارة عاد إليها ثانية، ولو بعد سنين، هكذا تروي أساطير الأولين، ومن يعتقد أن في سطيف عينا واحدة تلك التي تعلوها المرأة العارية، فهو مخطئ، فسطيف لمن لم يسعفه حظ زيارتها، تزخر بفوارات وعيون أنعم الله بها، بماء متدفق في كل مكان، فلا تكاد تخلو منطقة إلا ووهبتها الطبيعة "عنصرا مائيا" أو عينا تسيل وفوارة تتدفق منها مياه عذبة، لمن لا يعرف سطيف، فإن بها العشرات من العيون تغنى بها العديد من الفنانين، من عين الفوارة إلى عين الدروج، وعين البرانية، وعين الزاولية وعين الزوايل، إلى العين الكحلة وعين الزمالة، وعين الغاسولة، وعين مورو، وعين بوعروة وعين سبايس، وعين المزابي وعين الشلايق وعين السوق وعين الشقة وعين الموس وعين الدوك، وغيرها من العيون القديمة في مدينة سطيف.

 عين الفوارة.. تحفة موسومة أم هدية مسمومة؟

عين الفوارة، رمز المدينة وتمثالها الأبدي، ذلك المعلم الذي يتوسط قلب سطيف ويستقطب يوميا آلاف الزوار، أصبح بمرور الأزمنة بمثابة نقطة مركزية يتحتم على زائر سطيف "التبرك" بها والتمتع بمياهها العذبة، ففي الوقت الذي اعتبرها البعض وصمة عار بوصفها صنما لامرأة مجردة من ثيابها، فإن البعض الآخر يراها من زاوية معاكسة، إذ تعد بركة المدينة وفال خير لمن زارها وارتوى من مياهها. عين الفوارة هي تلك المرأة الرخامية التي تحدت الجميع بعريها، وتمكنت من كسب حب السطايفية إلى درجة أنها تخضب بالحناء في المناسبات والأعياد الدينية، لما لها من مكانة مقدسة عند وطن عامر لحرار، هذا التمثال  الذي يتوسط عاصمة الهضاب العليا، له جذور تمتد في القدم، وهو ما أعطاه هذا القيمة بين جماهير أهل المنطقة وزوارها على حد سواء، حيث يعتبر من أهم معالم مدينة سطيف من الجانب التاريخي وأصبحت عين الفوارة من أشهر العيون والينابيع الطبيعية التي تتميز بها الولاية.

يعود تاريخ عين الفوارة إلى نهاية القرن ما قبل الماضي، بالتحديد إلى سنة 1898، أبدع في نحتها الفنان الفرنسي فرانسيس دو سان فيدال، وقد اختلفت الروايات حول القصة الحقيقية لتشييد هذا المعلم، إلا أن الراجح أن التمثال هو تخليد لامرأة كان يعشقها حاكم سطيف آنذاك، الفرنسي أوبري، الذي أراد أن يهدي عشيقته هدية وسط مدينة سطيف تبقى إلى الأبد، حيث كان في زيارة إلى فرنسا سنة 1896، التقى فيها بصديق له وهو مدير مدرسة الفنون الجميلة بباريس، عرض عليه فكرة إنشاء تمثال لتزيين منبع في الساحة الوطنية المتواجدة في قلب سطيف، ولحسن حظ أوبري، كان في المدرسة تمثال جاهز من تصميم ونحت الفنان فرانسيس دو سان فيدال، هذا الأخير لم يمانع في إهداء عمله إلى حاكم مدينة سطيف، ومن هنا بدأت الرحلة الطويلة لتمثال عين الفوارة إلى مدينة سطيف، حيث غادرت في جويلية 1898، قادمة من العاصمة الفرنسية باريس إلى مدينة مرسيليا، أين تم تشحينها عبر باخرة باتجاه مدينة فيليب فيل (سكيكدة)، عند الوصول كان في انتظارها وفد رفيع المستوى متكون من عدد من أعيان المدينة، ليتم بعد ذلك نقلها إلى مدينة سطيف عن طريق عربة محاطة بحراس في رحلة دامت قرابة الأسبوع، وصلت إلى مدينة سطيف في يوم بارد في أواخر خريف عام 1898. كان يوما مميزا بالنسبة للسطايفية،  حيث حضر جمهور كبير التف حول العين، وتم وضعها فوق قاعدة حجرية جهزت خصيصا لهذا التمثال، وفتح المياه من العيون الأربعة كان ينبعث منهُ البخار تحت تأثير البرد الشديد، وكانت أصوات الحاضرين تتعالى مع المياه المتدفقة؛ الفوارة، الفوارة! ومن هنا أخذت اسم عين الفوارة رغم أن الإدارة الفرنسية في ذاك الوقت سمتها العين التذكارية، لكن "عين الفوارة" كانت التسمية السائدة والمتداولة وسط سكان سطيف إلى يومنا.

عين بوعروة من منبع الذهب تتدفق عين العجب

تعد عين بوعروة من أقدم الينابيع المتواجدة وسط مدينة سطيف، تقع بمحاذاة مقبرة الولي الصالح سيدي السعيد. وحسب بعض الباحثين في التاريخ المعاصر لمدينة سطيف، فإن مصدر تدفق هذه العين قادم من وادي بوعروة الذي يمر على بئر لحسن بالحي الشعبي طانجة، يصب هذا الوادي بعين الشقة المتواجد على أمتار من حي بومرشي، مرورا بالقنطرة، جسر السكة الحديدية بحي تليجان، إبان الحقبة الاستعمارية، كانت الإدارة الفرنسية تسميها la fontaine du marabout نسبة إلى مقام الولي الصالح سيدي السعيد الذي سميت عليه المقبرة المحاذية "لجبانة اليهود" و"جبانة بني مزاب" المعروفة بالجناين الكبيرة المسقية من وادي بوعروة، وفي أعالي المكان يتواجد منبع وادي الذهب، مشتق من الكلمة الفرنسية Ruisseau d’or المعروف وسط سكان سطيف باسم "الراسيدور"، ولقب بـ ruisseau d’or أو منبع الذهب لما كان الماء يخرج من المنبع من أعالي المكان وأشعة الشمس تضرب فيه وتنعكس عليه كأنها خيوط من الذهب الصافي. عين بوعروة كان السطايفية يقصدونها في فصلي الربيع والصيف، خصوصا من النساء اللواتي يفضلن غسل الصوف والزرابي، ويتم نشر غسيلهم فوق الحجارة المتواجدة على ضفاف الوادي.  

عين مورو.. و"الشربة بدورو"

غير بعيد عن عين الفوارة، تتواجد عين مورو بأعالي حي الحدائق أو الجنان، كما يعرف عند سكان سطيف. عين مورو هي الأخرى ظلت لعقود من الزمن مقصد العديد من السطايفية والزوار، ان أهالي المدينة يقولون عن مياهها "عين موروُ والشربة بدورو". 

وعن أصل تسمية عين مورو حسب بعض الباحثين، أنها كانت تسمى بـ la fontaine des maures وles maures هو الاسم القديم للسكان الأمازيغ الذين عاشوا وعمروا في المنطقة، حيث تغير مع مرور الزمن والحقب التاريخية، خصوصا مع الفتوحات الإسلامية في القرن السادس ومجيء الموحدين، وبعد مرور السنين أُطلق اسم les maures على الأتراك الذين حكموا المنطقة إلى غاية مجيء الاحتلال الفرنسي الذي استعمل اسم mauresque المشتق من les maures على السكان المحليين، وبهذا أصبح الينبوع معروفا باسم "عين مورو"، وإن كانت هذه القصة الأقرب من تسمية هذه العين، إلا أن هناك رواية أخرى تتحدث على أن اسم مورو "فيرمة" أحد المعمرين بمنطقة لجنان. 

عين الكحلة من دوار "المحارقة" تبدأ الرحلة

مما لا شك فيه أن الكثير من أبناء سطيف يجهلون بأن هذه المنطقة خلال الحقبة الاستعمارية كان أغلبية سكانها من المعمرين، فيما كان أبناء الجزائر يسكنون في التجمعات السكنية والدواوير والمداشر المحاذية للمدينة، ومن بين مداشر مدينة سطيف دوار المحارقة الذي يقع على مشارف المنطقة الحضرية الجديدة للهضاب، بالجهة الشمالية الغربية للمدينة. في المحارقة كانت تتواجد عين اسمها عين الكحلة، تعتبر من أقدم مصادر المياه بمدينة سطيف، حيث كانت قديما تعد الممون الرئيسي للمدينة بعد الحمامات الرومانية، هذه الأخيرة متواجدة بحديقة الشهيد رفاوي، "بارال" سابقا، اشتقت العين الكحلة اسمها من الأحجار السوداء التي يتدفق الماء منها بغزارة، حسب بعض الباحثين في تاريخ وعادات وتقاليد مدينة سطيف، فإن عين الكحلة اكتشفت من قبل الفرنسيين، أي مع بداية القرن التاسع عشر، وتعد مصدر الماء لخزان الحماية المدنية في ذلك الوقت، حيث كان يتواجد بمحاذاة "ذراع التير"، بحي 600 مسكن حاليا، وهو مكان كانت الإدارة الفرنسية تستعمله للرماية، حيث كانت تمر القنوات المتكونة من مادة الآجور الأحمر إلى غاية الحي الشعبي عين كعبوب.

عين الكلبة وعين الشلايق غرابة في تسمية منبعي الغسيل والتروية

غير بعيد عن الحي الشعبي كعبوب، بالمخرج الشمالي لمدينة سطيف حاليا، كانت تتواجد نافورة تعد الممون لرئيسي للسكان بهذه المادة الحيوية، اسمها عين الكلبة، قد يبدو للقارئ أن هذه التسمية غريبة نوعا ما، كل ما في الأمر أن هذا المنبع المائي الطبيعي تم اكتشافه من قبل الأهالي، وسميت بهذا الاسم لتجمع الكلاب فيه، كانت تعد أيضا ممونا رئيسيا لسكان المنطقة يوميا. وعلى بعد بضعة أمتار من عين الكلبة، على مستوى الطريق المؤدي إلى حي الشيخ العيفة فرماتو، كانت تتواجد عين الشلايق، هي الأخرى عبارة عن منبع مائي طبيعي، اشتق اسمها من قبل البدو الرحل الذين كانوا يقصدون مدينة سطيف سنويا أثناء فصل الصيف، ويسمون محليا بالنوايل، نسبة للولي الصالح سيدي نايل، هؤلاء البدو الرحل كانوا يستعملون هذه العين لغسل أغراضهم وألبستهم، لاسيما القماش الخشن الذي يستعمل في الخيم، ويسمى بالشلايق. 

العين الغاسولة مقصد النساء لغسل الصوف والكسوة

دائما في المنطقة الشمالية لولاية سطيف، وعلى مستوى الحي الشعبي بلير، وبالضبط مقابل مقر المديرية الولائية لـ"الجزائرية للمياه" حاليا، كانت تتواجد عين اسمها عين الغاسولة، تعتبر الممون الرئيسي لسكان حي بلير القديم بالمياه، وكانت هذه العين عبارة عن نقطة لقاء بالنسبة لنساء المنطقة، خصوصا أثناء غسل الصوف والزرابي والبرانس، ومنه أخذت تسمية العين الغاسولة.

عين الدروج تبعد عن عين الفوارة بـ50 مترا و54 سنة 

تعد عين الدروج من أهم وأبرز المعالم التي تتميز بها مدينة سطيف، وأقدمها من الناحية التاريخية، تعد من أقدم الينابيع الطبيعية بالمدينة، موقعها الجغرافي يتواجد وسط مدينة سطيف، على بعد عشرات الأمتار من عين الفوارة، جعل منها رمزا. شيدت هذه العين مباشرة بعد إنجاز الكنيسة البروتستانية سنة 1844، وبذلك تعتبر عين الدروج أقدم من عين الفوارة التي أنجزت سنة 1898، تتواجد على بعد أمتار قليلة من عين الفوارة، تحت مقر دار الجمعيات حاليا. كانت الإدارة الفرنسية تسميها LA FONTAINE ROMAINE وكان الأهالي يقصدوها بواسطة تسع درجات سلالم (دروج)، لذلك أطلقوا عليها هذا التسمية. ربط قنوات الماء لعين الدروج يأتي مباشرة من الحمامات الرومانية les bains romains المتواجدة في ساحة رفاوي، بارال سابقا، وكانت متواجدة فيها أيضا عين يسميها الأهالي"عين السيودة".

عين السبايس عين سطايفية بلمسة تركية

غير بعيد عن مقر الولاية، وسط مدينة سطيف، تتواجد عين السبايس، تعد الأخرى من بين العيون التي تزخر بها المدينة بأعالي ذراع التير، بمحاذاة مقر الحماية المدنية. كانت خلال الحقبة الاستعارية تتواجد الثكنة (القزارنة) الخاصة بالخيالة التابعين للجيش الفرنسي، تسمى "السبايس" les spahis، وتعرف عند سكان سطيف بعين السبايس هذا الاسم مشتق من السبايس وهم في الأصل جنود المماليك في العهد التركي في الجزائر، كون السبايس كلمة تركية، وعندما احتلت فرنسا الجزائر، ومع فرار باي الجزائر، ضمت إليها هذا الجنود الخيالة الذين ساعدوا فرنسا على احتلال باقي المدن الجزائرية، مقابل راتب يتمثل في السماح لهم بنهب وسرقة ممتلكات الشعب الجزائري. وفي مدينة سطيف كانت الثكنة الخاصة بهم تسمى عند الفرنسيين "بارك أفوراج" parc à fourrage، فيما كان السطايفية يسمونها "نوادر التبن"، أطلق عليها الفرنسيون اسم la fontaine des spahis "عين سبايس".

عين المزابي مقصد كل مار بأعالي محطة القطار

ربما يسمع العديد من جيل أبناء مدينة سطيف الحالي عن عين المزابي،  لكنه يجهل مكانها والمغزى من تسميها، هذه العين كانت تتواجد بأعالي محطة القطار في المدينة، بالقرب من مساكن محلات أحد أعيان مدينة سطيف ومحلات أحد كبار تجارها الذي ينحدر من مدينة غرداية، وهو من عائلة باجلمان التي عمرت في سطيف منذ القدم. سميت هذه العين نسبة لأصول هذه العائلة الميزابية، حيث كان لجدهم محلات لبيع القماش بالقرب من قاعة السينما "كوليزي" Colisée سابقا، أمام موقف حافلات النقل الحضري بمدينة سطيف. 

عين الزوايل وللبغال نصيب من العيون

غير بعيد عن عين المزابي، بالجهة المقابلة لها، كانت تتواجد عين لاقار، سميت بهذا الاسم نسبة إلى تواجدها بالقرب من محطة النقل بالسكك الحديدية. كانت العين تسمى من قبل عين الزوايل، ويقصد بالزوايل  البغال والأحصنة التي كانت تجر عربات السلع من قمح وشعير وخرطال وملح وتمر، تأتي من مختلف المناطق، ثم يتم شحنها بعربات القطار باتجاه مختلف الولايات. فيما يسميها البعض الآخر بعين الدوك Douk وهي مخازن القمح المتواجدة بمحاذاة محطة النقل بالسكك الحديدية. 

عين الموس "السكين" أصل تسمية العين

ربما الكثير من أبناء مدينة سطيف، لاسيما من سكان المنطقة الحضرية الجديدة بالحشامة والهضاب، وسكنات "عدل" المتواجدة بحي عين موس، في الجهة الشمالية الشرقية للمدينة، على مشارف الطريق المؤدي إلى سيلاق، أو طريق مقبرة سيدي حيدر، يجهلون تماما مما اشتق اسم منطقة عين موس، وهل يقصد بها عين أو نافورة أو منبع مائي يتواجد بالمنطقة؟ فبحسب المعلومات التي استقيناها من قبل بعض الباحثين في التاريخ الحديث لمدينة سطيف، فإن هذه العين كانت متواجدة بالمنطقة المسماة حاليا عين موس، تم اكتشافها من قبل راعي غنم كان يقطف عشبة "التالمة" و"التيلفاف" المعروفين في المنطقة، باستعمال سكين صغير يعرف بالموس، وأثناء عملية الحفر عثر على منبع مائي، فبدأ الماء يتدفق منه شيئا فشيئا ومنذ ذلك الحين بدأ سكان المنطقة التي كانت عبارة عن تجمعات سكنية يقصدون العين والتزود بمياهها، ومنه أصبحت تعرف بعين الموس.