”ذاكرة الأحداث” لرحيم العلوي

عودة إلى ماض أليم وتثمين لدور الثقافة

عودة إلى ماض أليم وتثمين لدور الثقافة
  • القراءات: 2170
لطيفة داريب لطيفة داريب

قد ينسى أو يتناسى الإنسان أحداثا أدمت بلده وسبّبت له الكثير من المآسي، فتأتي السينما أو المسرح أو الكتاب أو أي فرع من فروع الثقافة، ليذكّرنا بما لا يجب أن ننساه، ليس لأجل أن نستعيد الألم، بل كي نتعلّم من دروس الماضي وننهل من ذاكرتنا. وفي هذا السياق، قدّم المخرج رحيم العلوي أمس بقاعة “الموقار”، العرض الشرفي لفيلمه الجديد بحضور كوكبة من الممثلين الجزائريين.

قرّر الفنان رحيم العلوي ارتداء بدلة المخرج لأوّل مرة عبر الفيلم الطويل “ذاكرة الأحداث”، الذي يحكي قصة رئيس تحرير جريدة هاو للمسرح، يقرّر إخراج مسرحية اقتبسها عن مسرحية “تارتور المحتال” لموليار، ويختار جملة من أصدقائه وحتى زوجته لتمثيل أدوار هذا العمل، وهذا في فترة التسعينات، وبالضبط مع ظهور أولى بوادر الإرهاب في الجزائر. وفي هذا السياق، قام المخرج بمزج فنين عظيمين، هما المسرح والسينما، حيث أدخل مشاهد مسرحية في فيلمه؛ من خلال تسليطه الضوء على تدريبات الفرقة، وأبرز نضال أعضائها في تقديم هذا العمل الفني رغم التهديدات التي كانت تصلهم، إضافة إلى محاولة رئيس البلدية إغلاق المسرح البلدي؛ بحجة أن ما يقومون به كفرٌ يجب محاربته.

المزج بين الفنين الرابع والسابع

ويبرز المخرج يوميات عائلة فوملال المتكوّنة من الأب عز الدين (عبد الله عقون)، الأم (أمل وهبي)، الجدة (فريدة صابونجي)، وثلاثة أطفال، أكبرهم لاية (زهرة حركات)، التي لعبت دور مساعدة قائد الطائرة، ويبيّن كيف تمضي أيامها بحثا عن توازن بين العمل والترفيه، وبالأخص تقديم المسرحية. فها هو سفيان الابن المدلّل للعائلة، يريد أن يشاهد عروض عمي قريقش، أما الطفلة إيمان فتهتم بالموسيقى، فتطلب من والدها أن يشتري لها كمانا وتتعلّم أصول هذا الفن على يدي أستاذ الموسيقى (عبد العزيز بوكروني) ببركات الجدة (فريدة صابونجي)، في حين تهتم الأم أيضا بتدريس طلابها في الثانوية أبجديات الأدب العربي.

كما اختار المخرج أن يكون موضوع المسرحية غير بعيد عما كان يحدث في بداية مرحلة الإرهاب التي عاشتها الجزائر، حيث يحكي قصة شيخ يدّعي أنّه مُبارك، فيسكن قصر عائلة مرموقة ويتحكّم فيها، إلاّ أنّ ربة البيت تتفطّن لأمره، ونفس الشيء بالنسبة للخادمة، ولكن الأمور تبقى على حالها إلى غاية طلب الزوجة من الزوج الاختفاء في صندوق والانتظار. وفي نفس الوقت يدور حديث بينها وبين الشيخ الذي يتغزل بها ويطلب منها إقامة علاقة غير شرعية بينهما، فتقول له إنّ ذلك حرام، إلاّ أنّه يجيبها بأنّ الحرام لا يصبح كذلك حينما يتمّ في الستر، فيخرج الزوج من مخبئه ويطرد الشيخ، ولا تتوقّف المسرحية عند هذا المشهد، حيث يحاول الشيخ طرد العائلة؛ باعتبار أنّ القصر أصبح ملكا له؛ لأنّ رب العائلة منحه إياه، ولكن القاضي يقف ضده، فتنكشف لعبته ويسقط قناعه المزيّف.

نقل لواقع أليم

واختار المخرج هذه المسرحية بالضبط لأنّها تعكس واقعا عاشته الجزائر، ويتمثّل في ادّعاء البعض الورع، وهم، في الأصل، أصحاب خيانة، حتى إنّهم أراقوا دماء الأبرياء، وقتلوا نفوسا كثيرة. وفي هذا السياق، كرّم المخرج أسماء أدبية ومسرحية؛ حيث قدّم مشهدا عن الطاهر جاوت وهو يلقي أمسية شعرية في المسرح البلدي، وكيف بكى عليه الجميع حينما سمعوا بمقتله وهو الذي قال: “إذا تكلمت ستموت، وإذا صمتّ ستموت، إذن تكلم ومت”، كما تطرق أيضا لمقتل عبد القادر علولة.وقدّم المخرج في فيلمه عدة دلالات، مثل تمزيق ملصقات المسرحية، وقيادة الطبيب سيارة أجرة، ومظاهرات أحباب “تسييس الدين”، تقابلها نظرات الحسرة لرجال ونساء اختاروا الفن والجمال لمحاربة الظلام والإرهاب.

الأمور لا تتوقّف عند هذا الحد، فرسائل ومكالمات التهديد تنهمر كالسيل الغزير، ومشاهد العنف لا تعرف الهدنة، لينتهي الفيلم بمقتل المخرج عز الدين وزوجته وهما يغادران نحو المسرح لتقديم العرض الشرفي الذي تشارك في تمثيله الممثلة شافية بوذراع، ويتوقّف عرض المسرحية ويُبكي الجميع، ولكنّهم يعدون الجمهور بالعودة يوما ما؛ فهل سيوفون بعهدهم؟حاول المخرج العودة إلى مرحلة من تاريخ الجزائر، كدليل على دور السينما الفعّال في حفظ الذاكرة خاصة بالنسبة للأجيال القادمة، كما اعتمد على أسماء معروفة في هذا الفيلم، الذي رغم بساطته والمشاكل التي اعترضت طريق إنجازه، توقّف التصوير لمدة سنة كاملة، ما حرّك مشاعر الجمهور حتى إنّ هناك من بكى أمام مشهد مقتل المخرج وزوجته أمام أطفالهما، فقط لأنّهما حاولا التمسّك بالفن في وقت بدأت ملامح الموت تلوح على البلد.كما كان تمثيل الممثلين في المستوى مع ملاحظة الأخطاء اللغوية التي ارتكبتها الفنانة أمل وهبي وهي التي مثّلت دور أستاذة اللغة العربية، كما أنّ تمثيلها كان ينقصه نوع من العفوية لكن يشفع لها أنّه أوّل دور رئيس لها.

السينما لتخليد الذاكرة

وقال مخرج الفيلم بعد عرض الفيلم، إنّه أراد المزج بين المسرح والسينما، خاصة أنّ الفن السابع يُعتبر أبا الفنون. كما أكّد على دور السينما في تخليد الذاكرة، لينتقل إلى الحديث عن اختياره مدينة سطيف لتصوير مشاهد الفيلم، فقال إنّها مدينة صغيرة وجميلة، ودافع عن اختياره لأمل وهبي كممثلة، معتبرا أنه اختارها لجمالها وحبها للوطن، ونفس الشيء بالنسبة للممثل الرئيس عبد الله عقون، الذي هو في الأصل، طبيب وممثل هاو. وقالت أمل وهبي في إجابتها على سؤال يتعلّق بارتكابها أخطاء لغوية، إنّ لكنتها السكيكدية لا يمكن أن تتخلص منها، مضيفة أنّه من الضروري الوصول إلى لغة وسطى تُستعمل في السينما، مثلما هو الأمر في مصر؛ حيث تُستعمل اللهجة القاهرية.


 

قالوا لـ”المساء”:

محمد رحيم (مخرج العمل):

قال المخرج إنّه اختار في عمله شخصيات مثقفة تريد أن تقدّم مسرحا، فالصحفي يريد أن يقدّم مسرحا والأستاذة أيضا وكذا الطبيب وخريج مدرسة الفنون الجميلة، كلهم يريدون أن يقدّموا عملا مسرحيا يؤكّدون به نصرة الثقافة في الجزائر وكون هذا البلد يضم إطارات لا يستهان بها.

 عبد الله العقون (الممثل الرئيسي): 

أكّد الممثل الطبيب أنّ مشاركته في الفيلم وبالضبط في دور البطولة، أمر مخيف حتى أنّه تردّد كثيرا رغم أنّه قام في السابق بتقديم “وان مان شو”، إضافة إلى أدوار ثانوية مثل دور الباشاغا بن علي شريف في فيلم “لالة فاطمة نسومر”، كما كتب سيناريو فيلم “البطلة” للمخرج شريف العقون، ويحكي قصة واقعية عن امرأة قاومت الإرهاب.

محمد العيد قابوش (ممثل في الفيلم):

قال الممثل إن ما شدّه في الفيلم ازدواجيته بين السينما والمسرح، كما اهتم أيضا بموضوعه الذي يعتبره حديث الساعة إذ يتناول التطرّف الديني ونفاق البعض الذي يتّخذ من الدين مطية له ليحاول أن يحقّق مآربه.