ندوة “دور النخبة الجزائرية في لمّ الشمل”

عهد جديد بكفاءات وطنية

عهد جديد بكفاءات وطنية
  • القراءات: 529
مريم. ن مريم. ن

أحيت الرابطة الجزائرية للفكر والثقافة، أول أمس، بالمكتبة الوطنية، الذكرى 64 لتأسيس الحكومة المؤقتة، من خلال تنظيم ندوة فكرية بعنوان “دور النخبة الجزائرية في تعزيز اللحمة الوطنية ولمّ الشمل بين الأمس واليوم”، تناول فيها الخبراء والباحثون، مدى مساهمة النخبة في خدمة الوطن، خاصة في الظروف الراهنة التي تتطلب جهودا في شتى المجالات.

في كلمته الترحيبية، أكد مدير المكتبة الوطنية، الأستاذ منير بهادي، أن موضوع الندوة جديد قديم، متوقفا عند دور النخبة الجزائرية إبان الثورة، التي لعبت دورا حاسما في مسار تحرير البلاد، علما أنها ساهمت أيضا في كل المراحل، وقدمت تصورها واقتراحاتها من أجل مجتمع موحد وآمن، في إطار السلام والتنمية والنهضة. وبدوره، أشاد رئيس الرابطة، الدكتور مصطفى بيطام، بالحضور، شاكرا طلائع النخب التي تثري مثل هذه اللقاءات.

نشط الندوة الدكتور إدريس عطية، الذي توقف عند ذكرى 19 سبتمبر، التي شهدت ميلاد المؤسسات التنفيذية للدولة الجزائرية المستقلة، ومعها لعبت النخب الجزائرية (العلمية والعسكرية والثقافية وغيرها) دورها الكامل، وقبلها تجلى دور هذه النخب في بيان 1 نوفمبر 54.

أول المتدخلين كان البروفيسور عمار بوحوش، حيث قدم كلمة بعنوان “النخبة الجزائرية بين الكفاءة وقلة التأثير في المجتمع”، وقال إنه أمضى 50 عاما بالجامعة، يكون إطارات الدولة ويغرس فيها القيم الوطنية، مؤكدا أن جيل نوفمبر تمكن بسلاحه البسيط من التغلب على فرنسا، لكن جيل اليوم رغم علمه، يعاني خللا ما، والتفسير هو التبعية الثقافية والعلمية العمياء لنموذج فرنسي تجاوزه الزمن، وعدم الاستفادة من تجارب دول أخرى متقدمة منها الولايات المتحدة، مثلا، زيادة على الاعتماد على “المعارف والمصطلحات” بشكل نظري لم يطبق في أرض الواقع، ولم يحتك بالمجتمع، بالتالي لم يستفد كما ينبغي من هذا العلم، وهنا أعطى مثالا عن الإدارة الجزائرية التي تحتاج اليوم إلى علم “المناجمنت” (ما هو المشكل وما هو الحل)، وهي ثقافة مفقودة في النموذج الفرنسي البائد، كما أن النخبة الجزائرية، حسب المتحدث، اليوم، تعاني التشتت وتفتقد للعمل الجماعي.

من جهة أخرى، تحدث المتدخل عن النظام التعليمي عندنا، الذي لم يعد المجال فيه سوى للشهادات وليس للكفاءات، وافتقد التدريب واختبارات المستوى عند التوظيف وغاب التكوين الخاص بالنوابغ، كما غابت أيضا روح التضحية وخدمة المجتمع، بدون مقابل، كما كان الحال مع النخبة الجزائرية غداة الاستقلال، حيث رجعت الإطارات المتكونة في أرقى جامعات العالم لبناء الجزائر الفتية. وأكد المتحدث، أن النخبة لا تصنعها الدولة، بل تنبع من المجتمع وتخرج من قطاعات مختلفة.

قدم الدكتور حميد علوان “الأدوار الأساسية للنخبة الجزائرية”، وذكر فيها أن النخبة تمثل الريادة وتنتج الإبداع والفكر ومخرجات القضايا المعقدة، متوقفا عند النخبة الجزائرية التي أمامها اليوم، تحديات كبرى للوصول إلى مشروع مجتمع يواكب هذه التحديات. وعلى اعتبار المتحدث مختصا في العلوم الاقتصادية، تحدث بإسهاب عن ريادة الأعمال وميكانيزمات الابتكار التي غابت عندنا، وأصبح الاتكال فقط على الريع.

من جهته، تناول الدكتور محمد خوجة “السياقات الجديدة لمهام النخبة الجزائرية”، مؤكدا أن الفترة من 1962 إلى 1989، شهدت انغلاقا سياسيا وأحادية حزبية وتصورا واحدا ألغى النخب، مما أدى إلى تطورها خارج الفضاء الرسمي، بالتالي إلغاء السلطة وغياب مشروع توافقي جامع، أدى إلى الإخفاق والتوترات، وفي الـ20 سنة الفارطة، أصبح هناك صراع مدمر بين النخب في حد ذاتها (الحداثية والمحافظة)، ولم يقنع كلاهما (التياران) المجتمع، وما زاد في الانغلاق؛ الفخ الإيديولوجي، مما ولد العطل وفشل النخبة في أن تقود الجزائر، علما أن هناك ـ كما أضاف المتحدث ـ نخبا أخرى استجابت لتهجين السلطة، ولجني الغنائم، ولم تتبن مصالح المجتمع وأصبحت مجرد مكبر صوت لغيرها، ولا تقدم أي رؤية. ويقول الدكتور خوجة “اليوم هناك نية صادقة لإصلاح النظام السياسي والاقتصادي، وهذه المراجعة تتطلب مرافقة النخبة لتعبئة المجتمع”.

أما الدكتور فريد بن يحيى، فتناول “استراتيجية واستشراف النخبة للحفاظ على تعزيز الوحدة الوطنية”، حيث استعرض مدى الاهتمام بالنخب والمعارف في سياسات الدول العظمى، معطيا الكثير من الأمثلة، بداية من الرئيس الأمريكي نيكسون، الذي طلب الاعتماد على المثقف المفكر، فتم اقتراح هنري كيسنجر للعمل معه.

ثم تحدث المتدخل أيضا، عن المخابر المختصة في جذب العباقرة والكفاءات وذوو الامتياز العلمي من شتى المدارس والجامعات والمخابر، على اعتبار أن العنصر البشري أساس نجاح الدول اليوم، ناهيك عن الابتكار والمنافسة بين الدول، كما يحدث مع الصين والولايات المتحدة في الحرب الالكترونية وما حققته من معجزات علمية.

بالنسبة للجزائر، عليها، حسب المتحدث، قياس مستوى النخب أو المثقفين والإطارات، من خلال إنتاجاتهم وإبداعاتهم، منها نشر الكتب أو المساهمة في المجلات العلمية الدولية وتقديم المحاضرات في أرقى الجامعات وغيرها، بدل الاعتماد فقط على الشهادات، بالمناسبة، قال الدكتور بن يحيى، إن النخبة الجزائرية بالأمس، كانت أفضل، كونها ملكت روح التضحية، كما ملكت الابتكار والمبادرة، لذلك واجهت الجزائر فرنسا، ومن ورائها “الناتو”، نتيجة التكوين العالي، خاصة في المجال التقني (العمل المخابراتي مثلا)، واليوم، لا بد من تكريس الخبرات ومراجعة أسلوب التسيير وتجنب الجدالات البيزنطية للنخب، علما أن العالم اليوم، على فوهة بركان وسيناريوهات الأزمات مطروحة.