مراكز الاعتقال بالمدية

عنوان لبشاعة الاستعمار وأبغض أنواع التعذيب

عنوان لبشاعة الاستعمار وأبغض أنواع التعذيب
مراكز الاعتقال بالمدية
  • القراءات: 969
 ق.ث ق.ث

تعد مراكز الاعتقال الاستعمارية بولاية المدية، التي كانت خلال حرب التحرير، جزءا من المنطقة الثانية التابعة للولاية التاريخية الرابعة، كأماكن حقيقية لغياب القانون، وتمثل الوجه البشع للمستعمر الفرنسي، الذي مارس على الجزائريين أبغض أنواع التعذيب الجسدي، وحولهم إلى ”مجرد فئران تجارب”.

أصبحت عشرات المراكز، مع مرور الوقت، أماكن للتعذيب ولأبشع أنواع الاعتداءات الجسدية، التي كانت تمارس على مستوى واسع ودون أدنى احترام للحقوق أو الكرامة الإنسانية. يعتبر مركزي ”الجباسة” و«مولان سبورتيتش” بالولاية، ومعتقل ”الكدية الحمراء” في تابلاط، والمعروف أيضا باسم ”المركز رقم 602”، متخصص في عمليات الإعدام الجماعية، وكذا مركز ”زمالة” في البرواقية و«بئر حمو” في قصر البخاري، من بين مراكز الاعتقال والتعذيب المعروفة ببشاعتها، والتي بناها الضحايا السابقون للنازية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وتحديدا في بداية الثورة التحريرية الكبرى، وحولوها إلى جحيم أتى على الآلاف من المدنيين الأبرياء. تم تحويل آلاف الجزائريين، من الرجال والنساء والشيوخ، بتهمة الدعم والتعاطف مع المجاهدين، على مراكز الاعتقال التي بدأت من ”داميات” بالضواحي الشرقية للمدية و«عين قرومي” ببلدية ميهوب، شمال شرق الولاية، وحتى بـ«عين الريش” ببلدية البرواقية.

احتفظ المعتقلون الذين خرجوا أحياء بعد الاستقلال من هذه المراكز، بآثار التعذيب الجسدي أو النفسي الذي مورس عليهم، وما زالو تحت الصدمة جراء الرعب الذي عانوا منه. وكان مصير الآلاف من الجزائريين يتقرر في هذه المراكز التي شيدتها الإدارة العسكرية الاستعمارية، عبر المنطقة الثانية للولاية التاريخية الرابعة، ”لإركاع” الثورة و«عزف” السكان عن القيام بأي عملية ثورية.

أكد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، المرحوم بوعلام بن حمودة، الذي كان معتقلا لعدة أشهر في مركز الاعتقال ”موراند” بقصر البخاري، على هامش تجمع قدماء الناجين من المركز، نظم سنة 2012، أن أكثر من 3000 جزائري، من بينهم نساء، كانوا يقبعون داخل زنزانات المركز ولم يطلق سراحهم إلا بعد الاستقلال. وأشار المرحوم إلى مرور آلاف الجزائريين الآخرين عبر هذا المركز منذ تشييده سنة 1939، ولم يتمكن الكثيرون منهم من الخروج أحياء، لافتا في هذا الصدد، إلى الكثير من الأفعال ”القمعية” و«البشعة” التي كانت ترتكب في معتقل ”موراند”.

تطرق خصوصا لبعض حالات التعذيب والإعدام خارج الإطار القانوني، والتي كان من بين ضحاياها الراحل عيسات إدير، الذي اعتقل عنوة وأعدم بدم بارد، بعد أيام قليلة من إطلاق سراحه.

مجرد فئران تجارب

يعد ”معتقل موراند” بقصر البخاري، ”بوغاري” سابقا، والمعروف باسم ”كامورا”، أحد المراكز العسكرية السبعة الكبرى للمعتقلين التي تم بناؤها في الجزائر. واستخدم مكانا لاحتجاز السجناء الإيطاليين والألمان خلال الحرب العالمية الثانية، قبل أن يصبح منذ سنة 1956، ”جحيما على الأرض” لـ 900 معتقل جزائري، عانوا ليلا ونهارا من همجية الاستعمار، حسب ما أكده المعتقل السابق والمجاهد بلقاسم متيجي.

تحولت حياة المعتقلين -يضيف السيد متيجي- إلى أيام طويلة وصعبة من الأعمال الشاقة خارج المعتقل، مع حصص تعذيب يومية على وقع الإهانة والإذلال. ويضيف قائلا ”يتم إجراء النداءات المسائية تحت ضربات العصي” مشددا على أن بعض الجنود العاملين في هذا المعتقل ”كانوا يستمتعون بضرب السجناء المنهكين جسديا، بسبب الأيام الطويلة والشاقة من العمل”.

التحق السيد متيجي بصفوف جيش التحرير الوطني، إثر دعوة 19 مارس 1956، وتم توقيفه بعد بضعة أشهر خلال عملية عسكرية في جبال الولاية التاريخية الرابعة، ولا يزال محتفظا بذكرى مؤلمة لضابط صف مدرب كلاب، كان يستخدم السجناء ”مجرد فئران تجارب”. ”كان العديد من رفاقي فريسة للكلاب الذين غرزوا أنيابهم في أرجلهم”، حيث كان تدريب الكلاب يتم بشكل شبه يومي.

كما يتذكر محدث ”واج”، تصرفات أحد العسكريين، العريف ببوغلة، كان مكلفا بالإشراف على العمل في ورشات البناء، والذي يسلي نفسه بـ«جلد، دون سبب، السجناء الذين يعملون في ورشات المحاجر”.

يعد ”معتقل موراند” أحد الأمثلة على الهمجية الاستعمارية والكراهية، التي كان يكنها المستعمر للشعب الجزائري، والمقاومين من أجل الحرية. وأحصت الولاية التاريخية الرابعة عشرات المعتقلات المماثلة التي اختفى معظمها اليوم، مغيبة معها آثار الجرائم الشنيعة المرتكبة ضد الجزائريين.