الكاتبة عقيلة بلامين لـ"المساء":

عنوان كتاباتي "الحرية" والقصة تفرض اللغة التي تدوَّن بها

عنوان كتاباتي "الحرية" والقصة تفرض اللغة التي تدوَّن بها
الكاتبة عقيلة بلامين
  • القراءات: 574
لطيفة داريب لطيفة داريب

شعرت عقيلة بلامين بآلام المخاض المرتبطة بالكتابة، فما كان عليها إلا أن تنجب أول وليد لها سمته "حيوات"، لتعود الآلام مجددا، وتنجب طفلها أو كتابها الثاني "اللوز المرّ"، الذي شعرت بحب كبير تجاهه أكثر مما أحست تجاه طفلها أو كتابها الأول.

لم يكن إنجاب الأطفال أو الكتب يسيرا لعقيلة، وهي التي أحبت الكتابة وانغمست فيها بعد تردّد طال أمده، إلا أن ـ كما يقول المثل الجزائري ـ "الشغل المليح يطوّل"، وحين يحين قدر أمر ما، لا يمكن تكميم فمه ولا إلجام رغبته، فيرى النور في الوقت المحدد له، ويحقق لصاحبه ـ أي لعقيلة ـ شعورا براحة نفسية كبيرة. 

وذكرت بلامين لـ"المساء" ظروف كتابتها مولودها الأول؛ حيث كتبت قصصه في مطبخ المنزل حينما كان أفراد العائلة نياما. أما الثاني فلم تتذكر حتى ظروف كتابته؛ وكأنه وُلد بشكل سريع، مضيفة: "الكتابة لا تتطلب توفّر مكان هادئ، بل يجب الكتابة في أيّ مكان فور قدوم الفكرة".

وتمتاز عقيلة بالحكمة، وهو ما نجده حتى في عنوان مولودها الثاني "اللوز المر"، الذي قالت إنها تعني به حاجتنا، أحيانا، إلى المرارة لكي نصل إلى الحلاوة التي نبتغيها؛ مثل الحلويات التي نصنعها باللوز المر، تكون أفضل من تلك التي تُصنع باللوز الحلو، وهكذا فإن الفشل في كثير من الحالات، يكون بداية طريق النجاح.

أما عن اختيارها الكتابة باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، فليس له سبب محدد؛ لأن القصة هي التي تفرض اللغة التي تُكتب بها، حسب عقيلة، التي أضافت أن قصة "ما وراء الابتسامة" كتبتها بالإنجليزية في حصة تعلّم هذه اللغة. أما قصة "اللحظات غير المتوقعة" فكتبتها بالفرنسية عندما استفادت من ورشة للكتابة في المسرح الوطني الجزائري على يدي الكاتبة الراحلة فاطمة غالير، في حين يعود ضمها هذه القصص المكتوبة بلغات مختلفة في مجموعة واحدة، لقلّة إنتاجها الأدبي؛ إذ لا تملك رصيدا غزيرا من القصص.

وتناولت عقيلة بلامين في مجموعتها القصصية هذه، قضايا عديدة، تأتي في مقدمتها العراقيل التي تواجهها المرأة بصفة عامة، والجزائرية تحديدا في حياتها. وفي هذا قالت: "هناك نساء يعشن في ظروف مريحة ووسط عائلة تشجعهن وتدعمهن، لكن هناك من يعانين من عقبات لا تنتهي؛ فلا ننسى أننا نعيش في مجتمع رجالي". وأضافت "هناك، أيضا، نساء يتقبلن تحكُّم الجميع فيهن؛ فهن خاضعات لوالدهن، وأخيهن، ومن بعدهما لزوجهن، وابنهن، ولكلّ المجتمع، غير مدركات حقوقهن، مورّطات أنفسهن في حياة مقلقة؛ لقد ألغين شخصيتهن إرضاءً للآخر، بينما هناك نساء يقاومن هذه الظروف الصعبة، ويسعين لحياة أفضل".

وبالمقابل، تهتم عقيلة كثيرا بالحكم والأمثال، وهو ما نجده في كتابها هذا مثل سابقه، نذكر الأبيات التي ذكرتها الكاتبة في قصتها "بلقاسم"، والتي علّمها إياها جدها: "الصلاة في النبي المدني.. محمد سيد الرجال، الهاشمي العدناني.. نورو يغلب لهلال. يحُبِّث ربي الغني... شرّفها قبل ذًلال". وتابعت أن عمتها، أيضا، كانت تقول الكثير من البوقالات؛ لهذا ارتأت أن تزوّد قصصها بهذه الأمور الجميلة، التي ترسّخت في أعماقها منذ طفولتها.

وعن حبها للكتابة تحدثت عقيلة بإسهاب، فقالت إنها تعدُّها ملاذا، وفرصة سانحة لتخلُّص الإنسان من عقده النفسية ومكبوتاته؛ فالاكتئاب، مثلا، يمكن معالجته بالكتابة. كما يمكن الكتابة، بحرية، عن مواضيع لسنا راضين عنها، ولا نستطيع الخوض فيها. وعند كلمة "حرية" توقفت عقيلة مطوّلا؛ حيث أكدت لـ«المساء"، أنها تكتب بحرية كبيرة؛ فلا حدود للكتابة عندها. وحينما تكتب لا تفكر في رأي القارئ، الذي له الحق في أن يتقبل ما كتبته، أو يرفضه، أو حتى ينتقده. وعودة إلى وَلَهِ عقيلة بالكتابة؛ حيث اعتبرتها وسيلة نافعة للعلاج؛ فالإنسان حينما يتحدث إلى الآخر عن همومه، يشعر بالراحة، في حين يرتاح أكثر حينما يكتب. 

وفي إطار آخر، كتبت عقيلة بلامين التي ستشارك في الطبعة المقبلة للصالون الدولي للكتاب بالجزائر، عن مواضيع قلّما كتب عنها في الأدب الجزائري؛ مثل متلازمة أسبرجر أو متلازمة العباقرة، التي يعاني صاحبها من صعوبة الاندماج الاجتماعي. كما تطرّقت للخجل، وما يتعرض له صاحبه من تنمّر وظلم، في حين أن الخجول أكثر ذكاء من الاجتماعي؛ لأنه يسمع أكثر مما يتكلم، فيتمكن بذلك من جمع كمّ هائل من المعلومات.

وكتبت عقيلة عن نرجسية الأب، والتفرقة التي يتعامل بها مع أطفاله، وهو ما يسبّب مشاكل نفسية للطفل الضحية، الذي يتلقى معاملة سيئة من أحد والديه، وقد يفكر حتى في الانتحار. موضوع آخر، وهو الطلاق وتدخّل الحماة في حياة ابنها الزوجية، ومساهمتها في هدم عشّ الزوجية لأتفه الأسباب، خاصة إذا كان الزوج ضعيف الشخصية. وعن الطلاق قالت عقيلة: "قد يكون هو الانطلاق" نحو حياة أفضل".