«ما وراء الحكاية" لميلا توراجليتش

عندما يعتبر جني الحرية فشلا

عندما يعتبر جني الحرية فشلا
  • القراءات: 527
❊دليلة مالك ❊دليلة مالك

عرض الفيلم الوثائقي الصربي "ما وراء الحكاية" للمخرجة ميلا توراجليتش، مساء أوّل أمس، بقاعة "كوسموس" بديوان رياض الفتح، ضمن عرض الإعادة بمهرجان الجزائر الدولي للسينما، أيام الفيلم الملتزم، إذ تتبع المخرجة أثر أمها المناضلة من أجل الحرية ورحلتها الثورية من أجل الديمقراطية بعد عشر سنوات من سقوط نظام سلوبودان ميلوشيفيتش.

«ما وراء الحكاية" (103 دقيقة، إنتاج 2017) عمل سينمائي بمثابة فيلم نموذجي لمن يريد الخوض في مجال الأعمال الوثائقية الحقيقي، اشتغلت عليه المخرجة مدة خمس سنوات في جمع الأرشيف والتحقّق منه، وتقفي مسار والدتها التي كانت أحد الأصوات الثورية وقتها، باعتبارها شخصية محايدة من دون الشعور بأن هناك معاملة خاصة لها، إذ تعتبر هذه المناضلة سربيجانكا توراجليتش أن الحرية التي ناضلت من أجلها، والتي نالتها ما هي إلا أكبر فشل تجنيه في حياتها".

ومن هذا المنظور، تبني المخرجة فيلمها بسرد الحقائق التاريخية من خلال قصة العائلة وأمها التي تشتغل أستاذة جامعية بالخصوص، إنّها تؤكّد أنّه ليس المهم ضدّ من يكون النضال، بقدر معرفة لأجل ماذا نناضل؟، فالنتيجة التي أسفرت عن الثورة في يوغسلافيا سابقا هي مجموعة من الخسائر، وبالأخص تقسيم البلاد إلى دويلات، وتأخذ المخرجة من الأرشيف ما تداوله الناس من سعادة في إسقاط نظام ميلوشيفيتش، ثم تعود لتحليل الأوضاع مع المناضلة سربيجانكا توراجليتش.

تقول المخرجة "لقد ولدت عام 1979، كان عمري سنة واحدة عندما توفي تيتو، و11 عاما عندما تولى ميلوسيفيتش السلطة، و12 عاما عندما بدأت الحرب في يوغوسلافيا السابقة، ولما بلغت 16 عاما انتهت، وقبل 20 عامًا قصفنا حلف الناتو عندما تخلصنا أخيرًا من ميلوشيفيتش واغتيل رئيس وزرائنا، واليوم، في سن التاسعة والثلاثين، أريد التحدث عن بلدي من وجهة نظر شخصية للغاية، ونقطة انطلاق دقيقة للغاية، إنه المكان الذي أعيش فيه".

يأخذنا فيلم "ما وراء الحكاية" إلى منزل عائلي، باستخدام المساحة الداخلية والحياة الشخصية لأفراده كوسيلة لإلقاء ضوء جديد على الأحداث الخارجية. المحادثات مع والدة المخرجة هي العمود الفقري للفيلم، رغم أنّها ليست مرئيًة، فإنّ صوتها وملاحظاتها تتوازى مع كلماته. إنه حوار بين الأم وابنتها، ولكن أيضًا بين شخصين بالغين، كلّ في مرحلة مختلفة من الحياة. أصبحت والدتها، أستاذة الهندسة الكهربائية، شخصية عامة خلال الحروب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي كصوت ناقد ضد نظام ميلوشيفيتش. كانت عضوًا نشطًا في حركة المقاومة، وطُردت من جامعة بلغراد بسبب صراحتها. بعد الثورة التي أطاحت بنظام ميلوشيفيتش، أصبحت وزيرة للخارجية في أول حكومة ديمقراطية. قضت طفولتها وهي تتابع أمها في تجمعات سياسية، وبعد أن رأت فشل التحوّل الديمقراطي، فقدت كلّ الثقة في الالتزام السياسي وقرّرت مغادرة البلاد.

تصبح الشقة شخصًا كاملًا لأنّ السياسة تغزو هذا المكان الذي بناه جد جدها في العشرينات من القرن الماضي عندما كان وزيراً للعدل في مملكة يوغوسلافيا، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، أمّم الشيوعيون المنزل. قسّموا الشقة إلى مساحات معيشة لـ 4 عائلات، وأغلقوا مجموعة من الأبواب. وبعد مرور 70 عامًا، لا زالت هذه الأبواب مغلقة، ما يجعل طفولة المخرجة في المنزل خطًا سياسيًا حقيقيًا، ما يعني حرفيًا تقسيمات صربيا. لذلك اختارت التركيز على هذا الفضاء، من خلال تغيير المواسم والعطلات العائلية، وجمع قصص فردية صغيرة من الفرح والمأساة المنزلية التي سيظهر منها تاريخ الأمة أيضا.

لقد سعت المخرجة في هذا الفيلم الوثائقي إلى إعادة بناء الماضي من أرشيف الصور وذكريات أمها وإبداء تعليق شخصي على سبعة عقود من التاريخ المضطرب. وثائق حرب البلقان في التسعينيات قوية ومزعجة بقوة، ويستخدمها الفيلم بشكل ضئيل. على العكس من ذلك، فهو يركز على أصوات العقل التي لم تسمع. تشير الوثائق إلى أنه في كل مرحلة من مراحل صعود القومية واندلاع الحرب والقمع الوحشي للنظام وحتى نشوة الثورة، كانت هناك أصوات عقلانية، لكن وجدت نفسها غارقة في الهستيريا، ولا من منصت لها.