"بستان" برواق "عائشة حداد"

عناقيد الياسمين وتلال الأقحوان وذكريات جزائرية

عناقيد الياسمين وتلال الأقحوان وذكريات جزائرية
الفنانة فغير سواحي شفيقة
  • القراءات: 516
مريم. ن مريم. ن

حوّلت الفنانة فغير سواحي شفيقة رواق "عائشة حدّاد" إلى بستان، تتمايل فيه الزهور والورود من كل صنف ولون، تعبّق المكان بالذكريات، وتحكي ما كان من أيام كان لهذه المخلوقات الجميلة مكانتها في البيوت والأحياء، كجزء من الثقافة الجزائرية الممتدة عبر الزمن.

يضم معرض "البستان" 72 لوحة، فحيثما اتجه الزائر فيه يجد الزهور متناثرة في لوحات فغير هنا وهناك، ليتنسم العبق الفوّاح والعليل، ويستعيد أنفاسه التي لوثتها أجواء المدينة.

التقت "المساء" بالفنانة في مدخل المعرض لتعطي تفاصيل عنه، منها أن جل لوحاته أُنجزت في فترة الحجر الصحي أثناء جائحة "كوفيد 19"؛ حيث قالت: "حينها كان كل مكان واتجاه مقفلا، وكنا محبوسين في بيوتنا، وكان الأفق حينها رماديا، فكان التفكير في الورود والأزهار التي تزيل الغمة، وتبعث على الأمل والحياة".

واختارت الفنانة الكثير من الزهور والورود، لكن بعضها لها علاقة بذكريات الطفولة والشباب، وأيضا باليوميات التي ميزت الجزائريين في الماضي، والتي لم تكن تخلو من الزهور والورود والاخضرار بشكل عام، ولذلك جاءت تسمية المعرض بـ "البستان"؛ لارتباطه بالإنسان، ومحيطه القريب، ناهيك عن الطبيعة الجزائرية الفاتنة، خاصة في موسم الربيع؛ حيث المروج والتلال والحدائق على امتداد البصر. كما إن للفنانة ـ كما أكدت ـ علاقة خاصة بالورد؛ حيث كانت تمسكه وهي طفلة، وتداعب بتلاته بنعومة بين يديها؛ ما فجّر فيها موهبة الرسم، لتفصل في صوره التي أبدعها الخالق.

ومن الزهور المختارة الميموزا، والأقحوان، والياسمين، والفل، والورد وغيرها. وعند سؤال "المساء" عن الاختلاف عن الغير من الفنانين في رسم هذا العالم الجميل، ردت: "الاختلاف يكمن في اللمسة الأنثوية التي أضعها، والتي غالبا ما ينتبه لها الجمهور. أضف إلى ذلك أن الزهور جزء من يومياتي ومن حياتي، وبالتالي أعطيها كل إحساسي، وإبداعي".

وعن حضور الورود والزهور في اليوميات والثقافة الجزائرية، أكدت السيدة شفيقة: "كانت الزهور رفيقة حياتنا. وأتذكر أنه كان لنا شجرة ميموزا في بيتنا، وكنت مع البنات من سني نصنع تيجان الزهور ونتجمل بها، وهكذا كلما أنجزت لوحة عن زهرة ما أشم عبقها، وتسترجع ذاكرتي معها ذكريات الصبا، كذلك زهور الأقحوان التي تزيّن الأجواء التي نستمتع بها في خرجات الربيع، وتحمل "ريحة لبلاد"، فحينها كانت هذه الزهور لا يخلو منها بيت؛ إذ تخصَّص أمكنة لغرسها. كما كان وسط الدار في القصبة، مثلا، معبّقا بها، وكان الياسمين يوضَع حتى على الموائد، ناهيك عن المناسبات والأفراح. وتراجعُ ذلك مع الزمن ربما لأن الورود، اليوم، أصبح ثمنها مرتفعا".

وأشارت محدثة "المساء" إلى أنها خريجة مدرسة الفنون الجميلة سنة 1985، علما أن الموهبة كانت تترعرع فيها، وكان لأبيها دور في رعاية ذلك؛ حيث كان وراء تسجيلها في هذه المدرسة العريقة لتصقل موهبتها، ثم أنجز لها ورشة رسم بالبيت. وبعد حصولها على الشهادة واشتغالها في مجال التعليم، ركنت إلى البيت، واهتمت بأسرتها الصغيرة لأكثر من عقدين. وعند إتمام ولديها دراستهما الجامعية عادت الموهبة من جديد، لتفرض نفسها بمباركة الأبناء، لتوضح: "قبل انسحابي من الميدان كنت أقمت معرضا صغيرا في الثمانينيات برياض الفتح، ثم كانت العودة في سنة 2009. وفي 2014 أقمت أول معرض لي برواق عائشة حداد. وفي العام الموالي كان آخر بمركز مصطفى كاتب بالعاصمة، وبعض المعارض الجماعية التي شاركت فيها بقصر الثقافة مفدي زكريا".

وأشارت الفنانة إلى أنها ترسم، حاليا، في غرفة الصالون ببيتها. وعندما يكون الجو دافئا أو في الصيف، ترسم في سطح البيت؛ حيث لا وجود إلا للورود والأزهار، وهكذا ترسم النبات، والشخوص، والزي الجزائري، والمعالم والأماكن وغيرها.

وعن الأسلوب الفني المختار قالت إنها استعملت الأسلوب الواقعي الكلاسيكي مع بعض الانطباعي. كما استعملت الأسلوب التجريدي في لوحات خاصة بالقصبة، كعادتها في استعمال هذا الأسلوب في التراث المعماري مع ألوان داكنة؛ منها الأزرق؛ لإعطاء عمق للمعلم، وغالبا ما تكون الألوان مائية.

ولاتزال هذه الفنانة تحلم بالمزيد من الإبداع والعرض، وملاقاة الجمهور الجزائري، وتبحث عن الجديد والأصيل، وتراعي في كل ذلك سمة الجمال. والإحساس غاية كل فن للمضيّ بالإنسان نحو الأفضل والأسمى.