«ممر الطيور” و«الزوجة الثالثة” في منافسة القاهرة السينمائي

عن العرف والتقاليد

عن العرف والتقاليد
  • القراءات: 701
مبعوثة المساء إلى القاهرة: دليلة مالك مبعوثة المساء إلى القاهرة: دليلة مالك

شهدت المنافسة الدولية لمهرجان القاهرة الدولي السينمائي، أوّل أمس، عرض فيلمين مهمين بدار الأوبرا المصرية، الأوّل من كولومبيا، والثاني من الفيتنام. ورغم المسافة الكبيرة بين هذين البلدين إلا أنّ العملين اتفقا على تناول موضوع العادات الرثة في مجتمعاتها بنظرة دقيقة؛ لأهمية الأعراف من جهة؛ كضرورة تبنّي المبدأ العرفي الخاص بالوقوف إلى جانب السلم وتحاشي العنف، ومن جهة ثانية هناك دعوة لتركها؛ لما لها من تداعيات أليمة حدّ القتل والانتحار.

في المستهل، عُرض طيور الممر (125 دقيقة، إنتاج 2018) للمخرجة الكولومبية كريستينا غاليغو ومواطنها سيرو غويرا. ويتناول هذا الفيلم موضوع الاتجار بالمخدرات في حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، من خلال عائلة من قبيلة الواييو التابعة للهنود الحمر في كولومبيا، الأمر الذي أضفى على الفيلم نكهة تراثية.

وفيلم طيور الممر مستوحى من قصة حقيقية، وهو من إنتاج مشترك بين كولومبيا والدنمارك والمكسيك وفرنسا، يوثق قصة صعود وسقوط عشائر الواييون المتناحرة حول تجارة المخدرات في شمال كولومبيا بطريقة غير معتادة على نوعية أفلام صعود العصابات الكارتل. وتحاول عشيرتان بسط السلام في المنطقة رغم الصراع؛ من أجل ترؤّس تجارة المخدرات مع الأمريكيين، غير أن أحد شباب قبيلة الواييو يغتصب فتاة من قبيلته، فكانت أول شرارة لفتيل حرب دامية رغم أن الوسائط كانت لحكامة الموضوع، فكان قتل المرسول جريمة بشعة، كسر العرف المقدس في القبيلة، وكذلك عدم الانصياع للأوامر التي تمليها الخلفية التقليدية والتاريخية للمنطقة، التي تمثلت في سيدة القبيلة صاحبة الشأن، حاملة تعاويذ السابقين في مبادئ حفظ السلم والأمن، لكن طيش البعض وطمعهم حال دون ذلك.  

وأظهرت المخرجة في الفيلم اهتماما مدهشا بتفاصيل العادات والتقاليد والاحتفالات المحلية في كولومبيا. وينسج المخرجان مأساة ملحمية من الفخر والجشع والصدام بين العالمين القديم والجديد.

أما الفيلم الفيتنامي الزوجة الثالثة للمخرجة آش مايفير، فتدور أحداثه في القرن التاسع عشر بالريف الفيتنامي. تصبح فتاة في الرابعة عشرة من عمرها الزوجة الثالثة لرجل ثري يملك أغلبية الأراضي الزراعية. وإذ ينتقد العمل السلطة الطاغية واحتقار الآخر، حيث سرعان ما تعرف ماي الزوجة الثالثة أنها لن تستطيع أن تحظى بمكانتها كامرأة إلا إذا أنجبت طفلا ذكرا، وهو الشأن الذي يشبع بعض الأعراف العربية وحتى في مناطق بالجزائر، فيتحول أمل ماي بتغيير مكانتها إلى احتمالية حقيقية بعد أن تصبح حاملًا، ولكن سرعان ما يتحول الوضع إلى مأساة حقيقية لما تنجب بنتا، وأمام حالة من الإضراب النفسي تقوم بتسميم رضيعتها.

الفيلم يلمّح إلى مستقبل مشرق من خلال أصغر فتيات الرجل الثري؛ إذ تقول: لما أكبر سأصبح رجلا، وسأتزوج العديد من النساء، وهو ما يعكس تأثرها بأبيها الطاغي، غير أن انفعالها جاء عن براءة طفلة، لذلك تركت المخرجة مشهد هذه الطفلة في الأخير وهي على ضفة الوادي، تبتسم للكاميرا بعد أن قصت شعرها، في رمزية بريئة لغد متغير للأحسن.

استعانت المخرجة بمناظر طبيعية خلابة، ونقلت بعض العادات التي كانت في الفيتنام المتعلقة بطقوس الزواج، وهي كذلك تشبه الطقوس العربية. تجلى في نشر دم عذريتها أمام الملأ، والافتخار بهذا الإنجاز. في المقابل، يزوج الرجل الغني ولده الأكبر من فتاة لم يرغب فيها، فلم يجامعها، غير أن عائلة هذه الفتاة تبرأت منها ولا تريدها؛ لأنها جلبت لهم العار؛ فالزوج لم يلمس منها شعرة واحدة. وأمام هذا التجاهل المخزي تقوم الفتاة بالانتحار، لتضع حدا لحياتها المأساوية التي لم تكن أبدا طرفا فيها أو سببا لتداعيها.