الملتقى الدولي الأول حول الثقافة الحسانية
عمق إفريقي مشترك بين الجزائر والصحراء الغربية وموريتانيا

- 206

شهد قصر الثقافة "مفدي زكريا"، أول أمس، تنظيم الملتقى الدولي الأول حول "الثقافة الحسانية: هوية وعمق إفريقي مشترك"، بهدف تسليط الضوء على هذا الموروث الثقافي الغني، ودوره في تعزيز الهوية الوطنية والوحدة بين الجزائر والصحراء الغربية وموريتانيا. وناقش المشاركون الجوانب الاجتماعية والفنية والمعرفية للثقافة الحسانية، مؤكدين أهميتها في مواجهة تحديات العولمة الثقافية.
قالت رئيسة اللجنة العلمية للملتقى الأستاذة مباركة بلحسن. إن الثقافة الحسانية تعد مكونا ثقافيا يخدم الوحدة الهوياتية للبلد، كما يعتبر نموذجا للتنوع الثقافي للجزائر القارة، ويستحق الاحتفاء به. لأنه استطاع تجاوز مسألة الأعراق والألوان والمهن وغيرها، وأصبحت ثقافة البيضان أو الحسانية نمط عيش وأسلوب حياة مميز ببعد عربي وأمازيغي وإسلامي وإفريقي.
من جهته، قدم الأستاذ مؤمن مزوري من جامعة بشار، في ورقته تعريفا للحسانية، فذكر أن حسان هم عرب قدموا مع الهجرات الهلالية، يمثلون الطبقة العليا في السلم الاجتماعي، في حين تمثل الزوايا التي تتشكل من الطلبة وأهل العلم، الطبقة الثانية في السلم الاجتماعي، وينحدر أغلبهم من المرابطين، بينما الفئة الثالثة التي يُطلق عليها اسم "فئة غارمة" تضم عدة مجموعات، وهي اللحمة وتسمى أزناك، ومعناها الدمج والالحاق، وهناك فئة الصناع ويسمونهم المعلمين، وكذا فئة الزفانون وهم المغنون، وفئة الحراطين، مفردها حرطاني، وهي كلمة تنقسم إلى جزئين: حر وثاني، وفي الأخير هناك العبيد، وهم مجموعات الرقيق السود التي انتقلت إلى الصحراء عبر تجارة الرقيق.
كما أشار الأستاذ إلى تعلق الحسانيين بالرقص، الذي ظل يحافظ على خصوصيات كل فئة اجتماعية، فبعض منها يسمح لها بشيء من التساهل في التعامل مع اللباس مثلا، والبعض لا.
أما الأستاذ عاشور فني، فقد تحدث عن مشروع "أطلس الشعر الجزائري"، وموقع الثقافة الحسانية فيه، فقال إن فكرة هذا المشروع انطلقت من رؤية الظاهرة الشعرية كممارسة ثقافية في مختلف الأقاليم الجزائرية، وكانت البداية بإقليم تندوف، بالتعاون مع كراسك، انطلاقا من عام 2021 إلى عام 2024، مضيفا أن الشعر يحتل مكانة عليا في ثقافة البيضان، حيث تمتزج ثقافتي العرب البدو والصنهاجية الحضرية، ليقدما نموذجا مميزا تختص به تندوف، حيث احتكت هاتان الثقافتان ببعضها البعض في المنطقة منذ القرن السابع عشر.
وأكد فني عدم عزلة الشعر عن الممارسات الثقافية الأخرى في هذا الإقليم، مقدما مثالا بالموازين التي تقوم عليها الموسيقى المشابهة تماما لتلك التي يعتمد عليها الشعر، بالإضافة إلى أن الممارسات الشعرية أثبتت أهمية الشعر، علاوة على دور التقسيم الاجتماعي للفعل الثقافي، فكل فئة لها دور معين، إذ أن هناك مثلا فئة الشعراء وفئة المعلمين وفئة الفنانين.
بدوره، أكد الأستاذ حمدي علال الداف، مدير مركزي في وزارة الثقافة للفنون والعادات والتقاليد (الصحراء الغربية) أن الفنون الشعبية الحسانية، ليست فقط ميراثا فنيا، بل هي نظام رمزي واجتماعي متكامل، يرافق الإنسان الصحراوي في كل تحولات حياته، ويجعل من الفنون أداة تعبيرية وجمالية ومجتمعية.
وتحدث المحاضر بإسهاب عن مفهوم طقوس الانتقال في الثقافة الصحراوية، كما صاغه الأنثربولوجي أرنولد فان غينيب، أي الطقوس التي ترافق الانتقال من مرحلة عمرية أو اجتماعية إلى أخرى، مثل: الولادة، الختان، الزواج والوفاة. كما دعا إلى حماية هذا التراث وتعزيزه في مؤسساتنا الثقافية والتعليمية، لأنه يمثل حماية لوجودنا وهويتنا الاجتماعية.
أما الأستاذ غالي الزبير، الكاتب والباحث بالمركز الصحراوي الفرنسي للدراسات والتوثيق، فقد أشاد بإنتاج البداوة في الثقافة الحسانية للمعرفة، وهو ما أثار دهشة الكثير من الدارسين، لكنها لم تنل حظها من الدراسة، خاصة أن البداوة تعتمد على الثقافة الشفهية بصفة كبيرة.
وأشار المتحدث، إلى ثراء القاموس الحساني بالمفردات في مختلف العلوم والمرتبطة بحياة الإنسان في الصحراء القاسية، علاوة على وجود علوم يهتم بها الصحراوي، مثل مراقبة النجوم ومتابعة التحولات الجوية، وكذا علم النبات وعلم الجغرافيا وغيرها، التي يمارسها بها هذا المجتمع، نذكر أيضا الطب الشعبي الذي شهد تطورا كبيرا، خاصة الذي تمارسه النساء، وهي المعارف التي انتقلت إلى الدول المجاورة.
بالمقابل، ذكر الأستاذ أحمد ويس عبد الوهاب، من جامعة نواقشوط، أن هناك مصادر تناولت التاريخ الاجتماعي والسياسي والثقافي للمجتمعات الحسانية، تنقسم إلى دراسات أولية عاصرت الهجرة الحسانية، من بينها دارسة ابن خلدون الذي كتب عن حياة الحسانيين وثقافتهم وتاريخهم ونمط عيشهم، ومصادر ثانوية متعلقة بالدراسات حول الحسانية، قامت بها العديد من الشخصيات مثل الشيخ سي مختار الكنتي والشيخ أحمد بن سليمان ومحمد صالح ابن عبد الوهاب، هذا الأخير كتب مؤلفا مهما، قدم فيه إضاءات حول المشكلات المجتمعية للمنطقة، مبرزا كذلك دور الحسانية في توحيد الثقافة بمنطقة غرب إفريقيا، علاوة على نشر الإسلام فيها.
"تحديات الثقافة الوطنية في مواجهة الهيمنة الثقافية المعولمة"، هو عنوان مداخلة الأستاذ عبد القادر رابحي، التي تساءل فيها عن قدرة الثقافة الحسانية في استوطان رقعة جغرافية، ألا وهي غرب إفريقيا والتوسع فيها، وكذا عن الأدوات التي عملت على ترسيخها هناك. ليتساءل مجددا "كيف يمكن للثقافة الحسانية أن تشكل عامل وحدة مغاربية موسعة تنفي كل التشتيت، نظرا لما تحمله من عناصر جامعة موحدة؟".
"التبراع".. شعر تفصح به المرأة عن مشاعرها
قدمت أستاذات من الجزائر، تحديدا من تندوف وكذا من موريتانيا، مداخلات حول شعر التبراع، فقالت الأستاذة نجاة بوعام من المركز الجامعي تندوف، إن التبريعة هو لون شعري، اختصت به المرأة، تلقيه في المجالس المغلقة، مضيفة أنه حينما خرجت التبريعة إلى العلن، كسرت من جمالية هذا الشعر الذي تعرف به المرأة الحسانية، والتي كانت تلقيه في الستر خاصة في الليل، وكانت أيضا تخفي اسمها، فلا نعرف هوية قائلة هذه التبريعة.
أما الأستاذة فاطمة محمد محمود عبد الوهاب، من موريتانيا، فقد ذكرت في مداخلتها التي قدمتها بتقنية الزووم، أن التبراع هو نوع من الشعر الحساني تتغنى به المرأة ويشمل على بيت واحد، بينما أكدت الأستاذة عيشة الحسن من موريتانيا على قوة الشحنة الدلالية للنص الشعري "التبراع" أو "التبريعة"، التي تفوق قوة النص النثري.