في الذكرى الأولى لرحيل السيدة نورية

عرفان لمشوار رافق العمالقة

عرفان لمشوار رافق العمالقة
  • القراءات: 980
ق. ث ق. ث

أحيا جمهور الفنانة الراحلة السيدة نورية قزدرلي، مؤخرا، الذكرى الأولى لرحيلها بعد مشوار عطاء امتد لعقود، لا يمكن أن يختفي من الذاكرة.

ظل اسمها مرتبطا بدور الأم الحنون والحماة المتسلطة، لا تفارقها “محرمة الفتول” و سروال الشلقة و"الكازاكا”. كما برزت في أدوار مسرحية لشخصيات مسرحية عالمية أدتها باحتراف.

ظلت نورية دوما وفية لزملائها وأبناء جيلها؛ كثير منهم رحلوا. كما كانت، دوما، معروفة بصراحتها، خاصة مع جيل الشباب الذي توجهه ولا تبخل عليه، وتنتقده إذا ما حاد عن سكة الفن ليقع في الاستسهال وفي البزنسة.

نورية التي يُعد اسمها علامة فارقة في الفن الجزائري المسرحي والتلفزيوني، ممثلة متميزة، كانت لها مساهمات كثيرة وكبيرة في المسرح والسينما والدراما التلفزيونية، كما كانت إحدى الشخصيات الرائدة في المسرح والشاشة الصغيرة، التي عُرفت فيها، خصوصا، بدور الأم الجزائرية التقليدية.

الراحلة خديجة بن عايدة المعروفة بـ “نورية” المولودة في تيارت عام 1921، لم تدخل مدرسة في حياتها، لكنها كانت مدرسة في حد ذاتها؛ فقد كان لها الفضل إلى جانب كلثوم، في تغيير نظرة المخرجين والمجتمع إلى عمل المرأة بالمسرح؛ حيث كانت الأدوار النسائية قبل هذا، تُسند للرجال، فاتحتين بهذا المجال للعديد من الممثلات الأخريات. وأعطى انضمامها للمسرح الوطني عام 1963، دفعا قويا لتمثيل النساء، لتصبح أيقونة الفن الرابع في الجزائر، وتلقَّب بعدها بـ “زهرة المسرح الجزائري”.

كانت خديجة وحيدة أبويها، وعندما بلغت سن 14 انتقلت للعيش رفقة أختها من أبيها المتزوجة، إلى مستغانم. وبعد بضع سنوات تعرفت على مصطفى قزدرلي وتزوجته وكانت في 19 من عمرها، ثم انتقلا إلى العاصمة، واشتغلت خياطة، بينما كان زوجها قزدرلي ممثلا وقتها، ويقوم بتنشيط جولات فنية رفقة عبد الرحمن عزيز وبوعلام رايس ومصطفى بديع في مختلف أنحاء الوطن. وكانت نورية تخبّئ مبلغا بسيطا من المال، فطلبوا منها إعارتهم إياه، فوافقت مشترطة مرافقة الفنانين في جولتهم للنزهة والفرجة. ولأنهم كانوا مضطرين وافق زملاء قزدرلي، لكن في طريقهم إلى سطيف وقسنطينة عبر القطار، اكتشفوا غياب الممثلة التي كانت ستمثل معهم، وهنا بدأت حكايتها مع الفن.

وأوضحت الراحلة في تصريح لها، أن مصطفى بديع وبوعلام رايس هما من أطلقا عليها اسم “نورية”. ولعبت أولى أدوارها رفقة عبد الرحمان عزيز، عام 1945 رغم معارضة زوجها الفكرة. وكان أكثر شخص شجّعها هو مصطفى بديع، الذي ساهم في عودتها إلى التمثيل بعدما توقفت لفترة؛ بسبب إصرار زوجها على ذلك، لتترك العمل، قبل أن يظهرا معا على خشبة “أوبرا الجزائر”.

كان محيي الدين بشطارزي يبحث عن ممثلة تقوم بدور امرأة بدوية تتكلم باللهجة الوهرانية، فرشحها مصطفى بديع للدور. وعندما دخلت نورية على بشطارزي نظر إليها فقال لعبد الرحمان عزيز: “طلبت منك بدوية ماشي ماريكانية يا سي عزيز”، فردّت ضاحكة: “أنا بدوية”، وقامت بالدور أمام الفنانتين كلثوم ولطيفة، وحبيب رضا. كما مثلت نورية إلى جانب وهيبة زكال، وهجيرة بالي، وفريدة صابونجي، وشافية بوذراع، ورويشد. ومثلت مع حسن الحسني في خمسينات القرن الماضي، وكانت له معها جولة في فرنسا. أما مصطفى بديع فقدّمت معه عدة تمثيليات إذاعية. قدّمت نورية خمسة أعمال للسينما فضلا عن 170 عمل تلفزيوني. وتعاملت مع أغلب المخرجين، من بينهم بن عمر بختي، وموسى حداد، والحاج رحيم وآخرون، كانوا كلهم يحبون العمل معها، أبرزها “خذ ما عطاك الله” (1981)، و”الليل يخاف من الشمس” (1964)، و"أبناء القصبة” (1963)، ومسلسل “المصير” (1989)، وسكاتشات “العروسة والعجوزة”، و”هي وهو”، و”خالتي حنيفة في رمضان”. وقد قدّمت على مدار مشوارها الفني الطويل، أكثر من 200 مسرحية. ومن أهم أعمالها المسرحية “بنادق الأم كرار”، و”الاستثناء والقاعدة”، و”ممثل رغم أنفه”، و”وردة حمراء من أجلي”، و”الغولة”، و”سليمان الملك”، و”احمرار الفجر”، و”بيت برناردا ألبا”.

وكانت نورية كُرمت في العديد من المرات من طرف وزارة الثقافة وكذا جمعيات فنية. كما مُنحت في 2017 وسام الاستحقاق الوطني من مصف “عهيد”.