"كرنفال روماني" للمخرجة موني بوعلام في سطيف

عرض يجمع بين السخرية والعمق الفكري

عرض يجمع بين السخرية والعمق الفكري
  • 324
مبعوثة "المساء" إلى سطيف: دليلة مالك مبعوثة "المساء" إلى سطيف: دليلة مالك

شهد المسرح الجهوي لسطيف، أول أمس، تقديم العرض المسرحي "كرنفال روماني" للمخرجة موني بوعلام، وإنتاج المسرح الجهوي "محمد الطاهر فرقاني" في قسنطينة، ضمن فعاليات اليوم الثالث من المنافسة الرسمية للأيام العربية للمسرح.

اختارت بوعلام رؤية إخراجية جريئة، مزجت فيها بين جماليات العرض المسرحي والطرح الفكري العميق، مسلطة الضوء على علاقة الإنسان بالسلطة، وما يعيشه من تناقضات داخل مجتمع مأزوم، في قالب جمع بين الكوميديا السوداء والتراجيديا، وبين الفرجة الساخرة والأسئلة الوجودية الثقيلة.

منذ بدايته، بدا العرض أقرب إلى كرنفال مفتوح على احتمالات متعددة للتأويل، إذ سخّرت المخرجة لغة الجسد والحركة والرمز لكشف الواقع وتعريته، مستعينة بفضاء بصري غني بالإشارات والرموز. الإضاءة التي توزعت بين القوة والانكسار منحت المشاهد طابعا احتفاليا، يلامس روح الكرنفال، فيما أضفت الأزياء والألوان حيوية وجاذبية بصرية، ساعدت على إبراز تضاد الشخصيات ومضمونها الفكري.

طاقم الممثلين قدم أداء متوازنا بين البعد الجدي والحس الساخر، وهو ما منح العرض ديناميكية خاصة، شدت الجمهور منذ البداية، وحتى النهاية. فقد تنقل المشاهدون بين لحظات ضحك عفوي وسخرية لاذعة، وبين مواقف درامية كثيفة، طرحت أسئلة حول الحرية والوعي والمصير. هذا التداخل بين الهزل والجد، جعل العمل قريبا من الجمهور، وفتح أمامه مساحة للتفكير وإعادة النظر في واقعه.

المخرجة موني بوعلام ابتعدت في رؤيتها عن السرد الكلاسيكي، واعتمدت على الرمزية والتفكيك، الأمر الذي ترك الباب مفتوحا لتعدد القراءات والتأويلات. فكل متفرج وجد في العرض زاوية خاصة به، سواء من خلال التماهي مع الشخصيات، أو عبر استحضار تجاربه الفردية في مواجهة السلطة والمجتمع.

التفاعل الكبير الذي شهده العرض، والذي تُرجم في التصفيق المتكرر، والتجاوب مع الحوارات الساخرة والمواقف الدرامية، أكد نجاحه في ملامسة وجدان الجمهور، وخلق حوار حي بين الركح وقاعة المشاهدة. لقد تحول العرض إلى مرآة عاكسة للتناقضات المجتمعية، وفي الوقت نفسه، إلى مساحة مفتوحة للأسئلة حول الحرية والسلطة والقدرة على التغيير.

قالت المخرجة موني بوعلام عن تجربتها مع هذا العمل، إن "كرنفال روماني" هو ثاني عمل لها كمخرجة، بعد مسرحيتها الأولى التي كانت أطروحة ماستر، أنجزتها في فرنسا، وقدمت بها عروضا عديدة هناك. وأضافت أنها بعد عودتها إلى الجزائر، التحقت بمسرح قسنطينة الذي تعتبره بيتها الأول، وهناك أتيحت لها فرصة تقديم عملها الثاني "كرنفال روماني". وأوضحت أن النص كان في البداية مقترحا على المخرج حسن بوبريوة، غير أن ظروفه الصحية حالت دون ذلك، فتم اقتراحه عليها سنة 2024، فرأت فيه عناصر جذب، رغم أنه نص قديم كُتب في سبعينيات القرن الماضي، بلغة عربية فصحى، وبأسلوب سردي تقليدي لا يواكب ذائقة الجمهور الحالي، كما أنه كان مقتصرا على أربع شخصيات فقط.

وتابعت بوعلام "طرحت على نفسي سؤالا أساسيا، كيف أجعل الجمهور مشدودا إلى عرض سردي من هذا النوع؟ لذلك أضع نفسي دائما في مكان المتفرج. النص الأصلي كان يحمل الكثير من المراجع النظرية والأوروبية، وقد كُتب في ظل ظروف الحرب الباردة، لكن بالنسبة للجمهور الجزائري، لم يكن من السهل أن يتابع مثل هذه الطروحات. من هنا، حاولت أن أُدخل لمستي الخاصة، مستندة إلى تكويني في المسرح المعاصر، فعملت على خلق قصة موازية، إلى جانب القصة الرئيسية للبطلة التي تعاني التهميش، كما أضفت شخصيات جديدة وحذفت كثيرا من المقاطع السردية والمونولوجات الطويلة."

واستطردت قائلة "اشتغلت على مزج عدة مناهج مسرحية، وجمعت بين التراجيديا والكوميديا الساخرة، سعياً إلى إيجاد توازن بين قصة البطلة، وقصص الممثلين الآخرين، الذين يواجهون المصير عينه. كان هدفي أن أجعل النص أقرب إلى الجمهور، وأن يتحول من مجرد سرد إلى فرجة، تحمل بعدا إنسانيا وفكريا في الوقت نفسه."