المتحف العمومي الوطني البحري

عرض لتاريخ الحجر الصحي في زمن الأوبئة

عرض لتاريخ الحجر الصحي  في زمن الأوبئة
لوحة محمد راسم
  • القراءات: 966
مريم . ن مريم . ن

يقدم المتحف العمومي الوطني البحري عبر موقعه الإلكتروني، العديد من الأنشطة والبحوث والدراسات المتعلقة بتاريخ الجزائر. ومن ضمن ما اقترحه على الجمهور ورقة عن الحجر الصحي المعتمد في بلادنا منذ عقود؛ سواء في زمن الأوبئة، أو في التعامل مع الوافدين الأجانب، خاصة من جهة البحر.

بالنسبة للحجر الصحي في الجزائر في العهد العثماني، فقد كان من السياسات المنتهجة للتقليل من خطورة انتشار الأمراض والأوبئة. وعرف أيضا بالكرنتينة بمعنى أربعين، حيث كان الوافدون من الخارج الذين يُشتبه في إصابتهم بالمرض، يُحجزون في الحجر الصحي بالموانئ أربعين يوما حتى تثبت سلامتهم من الأمراض الوبائية. وكان هذا النظام مطبقا على كافة الفئات بصفة عامة، وعلى جميع الوافدين من المسافرين والحجاج خاصة؛ حيث إن باشا الجزائر لا يسمح بنزول المسافرين ولا البضائع التي يشك في تعرضها للوباء من السفن؛ حتى يتحقق من سلامتهم، وهذا الإجراء أصبح يتبعه معظم حكام الجزائر.

وكانت الأماكن التي يطبق فيها الحجر الصحي تستقبل جميع السفن بطاقمها وركابها، والبضائع التي تحملها، وحتى المسؤولين الأتراك والمواطنين الأثرياء كانوا يقيمون بهذه المرافق (مرافق الحجر الصحي)؛ إذ إن السلطة الحاكمة قامت بفرض رقابة صارمة على هذه المناطق؛ لعزلها عن باقي الجهات. لقد شهدت الجزائر خلال الفترة العثمانية، تفشي العديد من الأوبئة والأمراض المعدية، التي كان لها تأثيرات وعواقب وخيمة في مختلف الميادين؛ من تردٍّ للأوضاع الصحية، وتدهور اقتصادي، وتناقص أعداد كبيرة من السكان نتيجة الزحف الوبائي على إيالة الجزائر.

وكان تعامل السلطة العثمانية في الجزائر مع الأوبئة من خلال تطبيقها نظام الحجر الصحي، والذي لم تنتهجه بصفة دائمة ومستمرة أثناء ظهور الوباء، بل اعتمد تطبيقه على مدى وعي الحكام بنجاعته للوقاية من العدوى؛ إذ تباينت مواقف الدايات والبايات في تعاملهم مع الأوبئة. وتميز بعضهم بالصرامة في اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتطبيق الحجر الصحي للوقاية من العدوى، فيما تقاعس البعض الآخر عن الأخذ بأسباب السلامة و الاحتراز. وكانت هناك تدابير أخرى اتخذتها السلطة الحاكمة؛ في محاولة منها للحد من تفشي العدوى، وكذا تدابير السكان ونظرتهم إلى الأوبئة؛ للتعرف على الثقافة الاحترازية والعلاجية السائدة آنذاك.

وأشار بعض الرحالة الأوروبيين إلى أن الجزائر كانت خالية من الأمراض المعدية والأوبئة، وإنما وصلت إليها عن طريق الحجاج والطلبة الآتين من المشرق، أو التجار الأوروبيين والسودانيين وغيرهم. وباستثناء بعض الأمراض التي كانت تظهر من حين لآخر، فإن الجزائر لم تشهد أمراضا عالية الخطورة خلال العهد العثماني. ومن الأمراض التي ظهرت في بدايتي فصلي الربيع والخريف مرض الرمد، الذي كان يصيب الأطفال في غالب الأحيان.

وأكد حمدان بن عثمان خوجة هذه الحقيقة؛ حيث أكد أن التمازج بين الأعراق منها التركي والأندلسي، جعل الجزائريين ذوي بنية قوية، وبالتالي لم يوجد في مدينة الجزائر رجالا من ذوي العاهات، أو مصابين بالأمراض. ورغم ذلك كان هناك بعض الأمراض المنتشرة في الأرياف، خاصة وسط الذين يعيشون في المناطق السهلية؛ مثل سهل متيجة؛ حيث كانوا يتعرضون للحمى بسبب المستنقعات، على عكس الجبال.

وذكر حمدان بن عثمان خوجة سبب تعرض المرأة الريفية للأمراض المختلفة. ويرجع ذلك إلى قيامها بالأعمال الشاقة، وعدم اعتنائها بالنظافة، وهذا ما جعله يقول: "نرى هؤلاء النساء اللاتي لا يتوقفن عن الأشغال الشاقة، لا يعتنين بهندامهن، وغالبا ما يكون علاجهن عبارة عن نباتات معروفة بنجاعتها؛ لأن السكان هنا لا يعرفون مبادئ التطبيب. وبالنسبة لهم، فالطبيعة، وحدها، هي التي تصنع المعجزات، كما يلجأون إلى الحمية.