حنين للمقاهي التقليدية ولسهراتها الرمضانية
عبق من النضال والفن وسمر الأحباب

- 686

تعود السهرات الرمضانية، ويعود معها الحنين لليالي، التي يجتمع فيها الأحباب والأصحاب وجمهور المثقفين والفنانين، لتتجاوز بذلك المقاهي مجرد كونها أمكنة لاحتساء المشروبات، إلى فضاءات يحلو بها السمر والجدال وإثارة قضايا في شتى الشؤون، وبذلك تتحول إلى نواد تساهم في ترقية المجتمع. يتذكر بعض المثقفين والمؤرخين هذه الفضاءات التي تمثل جزءا من الذاكرة الجمعية، تخزن في أركانها وتحت أسقفها ذكريات لا تنسى، ومنها خرجت روائع الفن واجتماعات المناضلين، ونوقشت قضايا المجتمع والنتائج الرياضية المحققة.
في هذا الشأن، أشار الدكتور مولود عويمر في تغريدة نشرها، إلى أن عاصمة الجزائر تشتهر أيضا بمجموعة من المقاهي الأدبية والفنية، منها مقهى "التلمساني" الذي يعتبر من أقدم المقاهي العتيقة في مدينة الجزائر، تأسس بعد الحرب العالمية الأولى في حدود 1920، من طرف الأخوين أكلي وسعيد عكاوي، ويقع في شارع "سعد ومختار بن حفيظ" بساحة الشهداء، مواجه للبحر، غير بعيد من الجامع الكبير وميناء الجزائر ومحطة القطار. كان ملتقى للحركة الأدبية والسياسية في فترة الاحتلال الفرنسي، وكان يحتضن العديد من الفنانين والرياضيين والمثقفين المشهورين، وتنعقد فيه أمسيات فنية وأدبية ومناظرات سياسية، خاصة في ليالي شهر رمضان. وبقيت “التلمساني” مفتوحة تستقبل زوارها، لكن ليس بالطريقة التقليدية، رغم موقعها الاستراتيجي بشارع "لامارين" في آخر الزاوية، بعيدة عن المارة وضجيج المدينة، وحتى عن الأنظار.
تلك المقاهي كانت ملتقى الأحباب، ومواعيد الأصحاب، بعد ضربة "المدفع" وتناول الإفطار، وجهتهم المكان المختار للحديث والسمر، وممارسة شتى الألعاب إلى غاية ساعة متأخرة من الليل. تحفظ بعض المقاهي أيضا تاريخها وتاريخ البلاد، من خلال تناقل الروايات بين الزبائن الدائمين، ومن خلال صور المشاهير المعلقة على الجدران، والذين مروا منها وظلت ذكراهم لا تنسى، كما أن هذه المقاهي تحفظ تاريخ النضال الذي لم تدونه الكتب، وتخزن ذكريات المكان والزمان، في رمضان مثلا، كان يستمتع الناس بالحفلات الشعبية، وفيها أيضا دارت معارك سرية بين الاستعمار وثورة التحرير، ففيها يلتقي الثوار والجواسيس.
إن ارتشاف القهوة أو الشاي في مقهى "التلمساني" أو "الفنارجية" أو "مالاكوف".. وغيرها، لها طعم خاص يعيد إلى زمن جميل وأصيل. وقد حضرت “المساء”، ذات مرة، لقاء مع الكاتب والإعلامي المعروف حسين مزالي، أشار فيه إلى أن المقاهي الجزائرية احتضنت النضال والفن والإبداع، وكانت فضاء مشتركا بين الجزائريين، خاصة منذ الحرب العالمية الأولى، وكان حي القصبة يضم الكثير من المقاهي المعروفة، وأغلبها اختفى اليوم من الوجود.
أضاف مزالي أن حي القصبة احتضن عدة مقاه مشهورة، منها قهوة "الفنارجية" و"مالاكوف" و"التلمساني" و"قوراري" التي تردد عليها مناضلو ثورة التحرير، وفيها كان مشروع الثورة يطبخ على مدار اليوم. وفي مقاهي العاصمة، كانت تقام حفلات الأغنية الشعبية الراقية، فيستمتع الناس بموروث الفن الأندلسي، وفيها أيضا كانت عيون فرنسا ترقب تحركات الثوار، وحتى من يقرأ الجرائد.