هجرة الشعراء إلى الرواية

ظاهرة عالمية أم ارتباط تفاعلي مفتوح؟

ظاهرة عالمية أم ارتباط تفاعلي مفتوح؟
  • القراءات: 659
وردة زرقين وردة زرقين

تعرف الرواية انتعاشا في الكتابة والسرد، وتحولت إلى ظاهرة عالمية، ويتجلى ذلك في الإصدارات الجديدة التي غالبا ما تكون لأسماء جديدة. وطغت على هذه الظاهرة هجرة الكثير من الشعراء، ربًما لدخول عالم الجوائز المالية المغرية، لا سيما أن هناك جوائز كبرى مخصصة للرواية؛ تحفيزا للإبداع، خصوصاً في عالمنا العربي، ومنها جائزة البوكر و«كتارا، التي فتحت الباب حتى للروايات المخطوطة؛ حيث تعرف هذه الجائزة إقبالا كبيرا من شرائح مختلفة، أغلبها لا علاقة لها بالأدب، لكن هناك من يكتب من أجل أن يعبر بشكل مبدع وخلاق، عن موضوع ما يخص تجربته.. وعن راهن الشعر وعلاقته بالآداب الأخرى وكذا هجرة بعض الشعراء نحو الرواية والقصة وواقع الشعر في خضم كورونا وما بعد الجائحة، اتصلت المساء ببعض المختصين في المجال من روائيين وشعراء، وكانت هذه الآراء.

إبراهيم باديتصحيح وضع الكتابة في بلادنا لحظة مطلوبة

قال الناقد والشاعر والأستاذ بجامعة عنابة إبراهيم بادي، إن انتقال الشعراء إلى الكتابة الروائية مصيبة؛ لأن الكتابات الروائية في المدة الأخيرة يستحي صاحبها من أن ينافس بها كتابات في المغرب العربي كتونس والمغرب وموريتانيا، كما أن هناك كتابات ناضجة في لبنان ومصر والأردن. ويعتقد المتحدث أن السؤال الذي يُطرح حول الانتقال من كتابة الشعر إلى كتابة الرواية في حد ذاته، ينقل الإدانة من موسيقى الشعر إلى تراتيل السرد، وأن تصحيح وضع الكتابة في بلادنا لحظة مطلوبة؛ لأن ما وقع عندنا في السياسة والاقتصاد والرياضة قد أثر سلبا على عالم الكتابة، ومازالت الأسئلة الحارقة تنتظر الإجابة بعد هذا المصاب الذي أحرق القمح والبذر، وها هو يهدد الصناعة في عالم الكتابة والتأليف على حد قوله، مؤكدا أن الكتابة شعرا وسردا مشروع، يستحق أن يلتف حوله أهله، في جلسة ليس فيها لا رياء ولا متاجرة. ويعتقد إبراهيم بادي أن الحل يتطلب وقتا وتحقيقا، ورجالا يشرفون على الملف، الذي أضحى مهزلة في أيدي الدهماء.

لحسن عزوزمؤسف أن يتصل المبدعون بمساحة غير الشعر

من جهته، قال الدكتور والأستاذ بجامعة بسكرة لحسن عزوز، إن الشعر إله مخبوء، يتشكل في الحياة اليومية بتفاصيلها؛ بغية تمجيد الذاكرة وما سيكون بزوايا مشهدية مختلفة كل مرة وبألوان منفردة دوما، مؤسسة للفقد والغياب، وهي غاية حقيقية ساحرة بنظرة ذاتية واحدة مرتبكة قلقة، لكنها تجعل العالم أكثر وضوحا في معرفة كلية، وكأن الشعر في داخله هو العالم في كينونته في إيقاعه ولغته وتفاصيله وزواياه؛ فهو متصل بكل الأجناس النصيًة الأخرى بشكل مقاوم، مضيفا أن الشعر متصل بالكون في تجانسه وتواؤمه واتساقه؛ فهو الكون والحياة بتفاصيلها، ولهذا فالشعر مرتبط بكل الأجناس الأدبية الأخرى بشكل تفاعلي مفتوح، وعليه فإن الشعر يمتد لزمن ثقافي معرفي متسع لكل الثقافات والنصوص الأخرى؛ ما يجعل الشعر معرفة خالصة، لا تتصل فقط بالإيقاع والبحور.

وأعرب الدكتور لحسن عزوز عن أسفه لأن يتصل المبدعون بمساحة غير مساحة الشعر، موضحا أن طاقة الشعر الكبرى لا يمكن أن يتحملها أي فرد وأي كاتب، ولهذا تقلصت مساحة الشعر كثيرا، وهاجر الكتّاب إلى الرواية للاستسهال والسرد والحكي أحيانا الممل؛ فكثافة الشعر كثافة للفكر، وبالتالي طاقة النص الشعري الكثيفة لا يتحملها الكثيرون، ولغة الشعر تحتاج قدرة انفعالية، ومعرفة ثقافية متميزة، وذاكرة زمنية ممتدة؛ الأمر الذي سهّل للمبدعين وبعضهم فكرة الهروب إلى النص الروائي، وهو ما اعتبره غير جيد؛ لأن الشعر مرتبط بحالة البدء، ومرتبط بروح الإنسان وإيقاع الكون، فحضور الأفكار في تخيّلها الموسيقي أمر هام. وعبّر المتحدث عن أسفه للتخلي عن الشعر في حاضرنا. أما بالنسبة لواقع الشعر في زمن كورونا فقال إن هناك قراءات نصيًة مذهلة في الغرب، جعلت النص الشعري يتجدًد في عزلة أكيدة، وموسيقى القصيدة تطلب دوما عزلة صاخبة.

موسى بيدجالكتابات النقدية تشبه خدمة ما بعد البيع 

أكد الشاعر والقاص والمترجم الإيراني موسى بيدج، أن الشعر كائن حي، ويتواجد في كل الأجناس الأدبية؛ لأنه في الحياة المعاصرة استطاع أن يتطبع ويوسع إمكانياته؛ فهو متواجد في القصة والرواية والساحة الموسيقية، وحتى في الرسم والنحت والسينما؛ فلا خوف عليه لأنه غذاء الروح. وقال: ليس كل ما كُتب شعرا حيا؛ فالكثير من القصائد هي اسم على غير مسمى، موضحا: عندما يتجه الشعراء إلى القصة والرواية فلذلك أسباب كثيرة؛ أولا، ليس عيبا أن يكتب الشاعر رواية؛ فكل الأجناس الأدبية هي من قماش واحد ويجمعها الكلمة والفكر والمشهد. ثانيا، من الممكن أن يكشف الشاعر بعد زمن من كتابة الشعر، أنه خُلق للأدب القصصي وليس للقصيدة. ثالثا الشاعر ابن زمانه، وحينما يرى الرواية سيدة المكان عند القراءة، يلجأ إليها كي لا يتخلف عن الركب. وإذا جاء النقد بعد الشعر فلا يُعتبر هذا تخلفا؛ لأنا لو نظرنا إلى الكتابات النقدية لرأيناها تشبه خدمة ما بعد البيع، حسب قوله، وبالتالي يجب أن تظهر البضاعة، ثم تأتي الخدمة لصيانتها، ولكن في زمننا هذا، أكد أن الكثير من هذه الخدمات لا نراها صالحة، والكثير من الآراء النقدية تشبه شعارات الخدمة تلك، ولا تستند إلى واقع القصيدة.

أما عن واقع الشعر في خضم كورونا وما بعد الجائحة، فقال موسى بيدج إن الشعر إذا أصيب بكورونا وكان قليل المناعة، فلا شكّ في أنه سيقع في ورطة كبيرة؛ فالقصيدة يجب أن تكون عامرة بالفيتامينات؛ كي تقف أمام مصاعب ومصائب جائحة كورونا، والنقد والعيون المالحة.

جمال فوغاليالكتابةٍ تمنح المبدع أجنحةَ الطيران

أما الكاتب والقاص والشاعر جمال فوغالي فأكد أن الكتابةٍ تمنح المبدع أجنحةَ الطيران، وزمن الرواية السردي حاضر ومنتشر عبر العالم، وأصبح خاصية في عالمنا العربي، فاختلط الجيد بالرديء، داعيا النقاد إلى مواجهة ما يجب القيام به، ومعتبرا القضية مسؤوليتهم، لا سيما أن الرواية غدت مطية لمن لا مطية له، والشعر أصبح متدثرا بها. وأعلن فوغالي عن تأييده لهجرة الشعراء للرواية شرط أن يكونوا في الرواية كما كانوا في الشعر، لا سيما وهي تجاربهم، وهم قلة على كل حال، داعيا، في نفس الوقت، إلى الوعي للانتصار على الرواية؛ لأن ذلك الشعر انتصار على الحياة؛ في ابتسامة صادقة، وفي شمس مشرقة في صباح غائم، وفي ليل عاصف، والقمر رغم ذلك عاشق.