الندوة الفكرية الأولى لتكريم الراحل الطاهر بن عيشة

طبع أعماله وإعادة قراءة فكره

طبع أعماله وإعادة قراءة فكره
  • القراءات: 775
مريم / ن مريم / ن

احتضنت المكتبة الوطنية أمس، فعاليات الندوة الفكرية الأولى تكريما لذكرى وفاة الأستاذ الطاهر بن عيشة، الذي يظل معلما شامخا لم تطله الشبهات ولا العواصف الهوجاء وظل راسخا بفكره وبقناعاته وبصوته العالي، فلم يتبدل ولم يتلوّن ولم يلهث وراء الغنائم، بل كان طريقه سيّارا نحو القمم التي تربع عليها بجهاده وبإبداعاته وبحوثه وأعماله الخالدة وبالأجيال التي تربت على يديه.

نشط الندوة الأستاذ محمد بوعزارة، الذي أشاد بخصال الراحل مسترسلا في الحديث عن ذكرياته معه منذ أن عرفه أول مرة ذات أوت من سنة 1971، ومن حينها لم ير بن عيشة تغيرا في مواقفه أو قناعاته، بل ظل مسكونا بالحالة الثورية تماما كالشباب، وظل مثالا للنزاهة، وكان يرى في سيدنا أبي ذر الغفاري، نموذجا لليسار المدافع عن المستضعفين في الأرض.

أشار بوعزارة (إعلامي سابق) أن الراحل بن عيشة كان له 3 برامج إذاعية في أسبوع واحد وذلك من فرط نشاطه وكان من أشهرها «صوت العمال» و»نافذة على إفريقيا»، ومن جهة أخرى كانت له سجالات بالمركز الثقافي الإسلامي، حيث سطع نجمه بنقاشاته الرفيعة ودفاعه عن أفكاره دون حرج مستخدما الحجج الدامغة مع أساتذة وعلماء لهم وزنهم.

اشتهر الراحل أيضا بخدمته لقضايا الإسلام والمسلمين من خلال أفلامه الوثائقية التي أنجزها بإسبانيا (الأندلس) والاتحاد السوفياتي (سابقا) وبإفريقيا وغيرها ولا التي تعتبر تراثا مصورا بأرشيف التلفزيون.

ظل عمي بن عيشة، الإنسان المتواضع ابن الشعب الذي يدفع من قوت أبنائه لمساعدة الغير أو لإنجاز عمل ما يخدم به وطنه. 

ارتبط الراحل أيضا بتاريخ الثورة التحريرية الذي أبلى فيها البلاء الحسن وقابل من خلالها أكبر الرموز منهم بن بولعيد وعباس لغرور، والمفاجأة هو أنه سبق اندلاع الثورة من خلال عملية فدائية قام بها ورفيقه عبد الكريم هاني في 8 أكتوبر 1954 أحرقا فيها متجرا لأحد المعمرين المتعجرفين الظالمين بالعاصمة.

من جهته اعتبر عز الدين ميهوبي، وزير الثقافة الراحل بن عيشة فلتة في حياتنا الثقافية تميزت بالقدرة على السجالات الطويلة والعميقة، مشيرا إلى أنه تعرف عليه شخصيا ولسنوات طويلة وكان يلجأ لعمي الطاهر كلما ضاق الأفق ليجلب النصيحة الحكيمة، كما قال إن الراحل كان يوجّه المواهب الشابة حسب قدراتها ولا يبخل على أحد، ثم سرد السيد الوزير أحد المواقف التي عاشها مع الراحل الذي كان خفيف الظل وقال «ذات مرة حينما كنت رئيسا لاتحاد الكتاب كلفت بتنظيم مقابلة للمثقفين الجزائريين والعرب مع رئيس الجمهورية السيد بوتفليقة، وبحضور البابطين وحينما حان تقديم بن عيشة فضّل الرئيس أن يقدمه بنفسه للضيف البابطين قائلا «هذا أقدم يساري في التاريخ»، ثم سأل الراحل هل مازلت يساريا يا بن عيشة؟ فرد دون تردد «وما بدلت تبديلا».

بعد شهادته عن الراحل أعلن المتحدث أن الوزارة تتبنّى مشروع طبع أعمال بن عيشة، هذا العملاق الذي كان يكتب «بلسان» بحيث لم يوثق أعماله وجلساته وستكون البداية بجمع كتاباته الصحفية وحواراته وسيكون ذلك بالتعاون مع أسرته، كما سيتم إطلاق اسمه على مؤسسة ثقافية.

تم بث شريط مدته 13 دقيقة قدم جانبا من حياة الراحل أنجزه التلفزيون الجزائري بعنوان «حراس التراث» ويظهر فيه بن عيشة، محدثا عن بعض أعماله وأسفاره.

بعدها توالت شهادات الحضور من بينهم الأمين بشيشي، الذي أكد أن بن عيشة كان يملك مكتبة ضخمة تشبه مكتبة الجاحظ، كما أشار أن الراحل كان أول رئيس تحرير لأول مجلة للإذاعة والتلفزيون بعنوان «الأثير» سنة 1971.  

أما الأستاذ خليفة بن قارة، فتحدث عن الراحل كأديب وسياسي ومفكر وصاحب قضية كان عصيا على أي انجراف أو رشوة ثمّن ثقافة الأغلبية، وكان يساريا مسلما زاهدا ورفض فكرة احتكار الإسلام للتسلط على خلق الله وكان بن عيشة، يستصغر من لا رأي ويمقت عبارة «من ليس معنا فهو عدونا».

على هامش الفعالية تحدثت «المساء» مع السيدة ليلى ابنة الراحل (صحفية بالتلفزة الجزائرية) التي وصفت والدها بالموسوعة وبنبوغه في أدب الرحلات وفي التراث، وتحدثت بتأثر عنه كوالد وكجد لم تكن تمر لحظة دون لقاء أو مكالمة منه وقالت «كنا نناديه بأطيب خلق الله»، وكان مهووسا بحب الجزائر وترى أن فكره وقناعاته لا زالت تفيد في بناء نهج وطني جامع.

بخصوص مكتبته أشارت أن العائلة تفضل إهداءها وكذا كتابات الراحل لجهة رسمية وثقافية كي تكون في مأمن وفي متناول الجميع خاصة وأن الراحل كان له طلبته وأصدقاؤه من الجزائر ومن شتى أرجاء العالم، كما تفكر العائلة في تأسيس جائزة تحمل اسمه خاصة بكل فنون الإبداع.

للإشارة فقد أقيم بالمناسبة معرض للصور تضمّن حياة الراحل الأسرية خاصة مع حفيدته وأبنائه منهم حيدر وكذا مع أصدقائه، وكذا نماذج من كتاباته وحواراته الصحفية.