بعرض سينمائي وموسيقي باهر

ضوء المتوسط يشع على شاشة عنابة

ضوء المتوسط يشع على شاشة عنابة
  • 241
سميرة عوام سميرة عوام

افتتحت مدينة عنابة مهرجانها السينمائي في طبعته الخامسة، مساء الأربعاء، بعرض سينمائي وموسيقي باهر، تميز بتكريم رموز سينمائية طبعت الذاكرة المتوسطية، على رأسهم المخرج الجزائري الكبير محمد لخضر حمينة، وضيوف أجانب من إسبانيا وغيرها من ضفتي المتوسط.

لم يكن الافتتاح مجرد احتفال، بل إعلان فني وإنساني عن لقاء الذاكرة بالمستقبل، حيث امتزجت الصور بالمعاني، على شاشة عنابية احتضنت المتوسط بكل تناقضاته وجماله.

أشرفت وزيرة الثقافة والفنون، الدكتورة مليكة بن دودة، على حفل الافتتاح، بكلمة خرجت عن السياق التقليدي، حين قدمت السينما كأداة لقراءة الإنسان، ومرآة لحياته المتخيلة وغير المتخيلة، بقولها:

«السينما هي أفكارنا، كما هي أيضًا تلك الغريبة عنا. إنها حيوات عديدة تُهدى إلينا جميعًا... لا تعترف بالحدود، وكذلك الثقافة حين تكون صادقة، تعبر، وتبني الجسور، وتزيل أسباب الكراهية."

وشددت على أن شعار "الذاكرة والمستقبل" ليس مجرد زينة خطابية، بل اختيار مقصود يربط ضفتي المتوسط بتاريخ مشترك وآفاق إنسانية موحدة.

وفي لحظة من لحظات الاعتراف بتاريخ السينما الجزائرية، كُرم المخرج محمد لخضر حمينة، أول عربي وإفريقي ينال السعفة الذهبية في مهرجان "كان" عن فيلمه الخالد "وقائع سنين الجمر" (1975).

حمينة، الذي لطالما اعتُبر من صُناع السينما الثورية، جُعل في هذه الدورة رمزا لذاكرة سينمائية ما تزال تلهم، وتمنح السينما الجزائرية شرعيتها التاريخية والفنية. تكريمه جاء تأكيدا على أن الجزائر، التي أسست واحدة من أولى "السينماتيك" في الضفة الجنوبية، لا تزال وفية لموقعها كمنارة للسينما الملتزمة.

أما ضيف الشرف، إسبانيا، فحضرت بأناقتها البصرية وعمقها الإنساني، من خلال العرض العالمي الأول للفيلم الوثائقي "The Reflection on the Sand" للمخرج Guillermo Marin، الذي حمل بصمة شعرية تأملية حول العلاقة بين الذاكرة، الأرض، والهوية.

ولم يكن التكريم الإسباني رمزيًا فقط، بل عاطفيًا أيضًا، حيث استُذكرت الممثلة الإسبانية الراحلة بيلار برديم، في تكريم مؤثر تسلمه نجلها النجم كارلوس برديم، ليُضاف بعد إنساني حقيقي إلى الأمسية.

هذا الحضور الأجنبي لم يُعامل كاستضافة شكلية، بل كجزء من نسيج ثقافي متوسطي تتداخل فيه الهموم والرؤى. فالأفلام، كما الكلمات، كانت وسيلة لفتح نوافذ على الآخر، وللتأكيد على أن السينما لا تزال وسيلة للترميم، واللقاء، وإعادة رسم صورة الإنسان في زمن الانكسارات.

سميرة عوام


حين تلتقي المدرسة والرسالة

ددوش والنبوي على منصة المتوسط

احتفى مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي في طبعته الخامسة، بلحظة فنية مؤثرة، جمعت بين جيل التأسيس وجيل التجديد، من خلال تكريم المخرج الجزائري الغوثي بن دودوش، والنجم المصري خالد النبوي، بجائزة "العناب الذهبي لإنجازات الحياة".

بن ددوش، أحد رواد السينما الجزائرية ما بعد الاستقلال، وُلد في تلمسان عام 1936، وتخرج من معهد السينما بباريس. عمل مساعدًا لمخرجين كبار قبل أن يوقع أفلامًا، مثل الجحيم في سن العاشرة وجزء البصر، التي أصبحت مرجعًا للسينما الواقعية الملتزمة. أما خالد النبوي، فمثل بجاذبيته وحضوره الواعي صوتًا فنيًا ملتزمًا في السينما العربية، وعبر عن الإنسان العربي في لحظاته الحرجة والجميلة، بما يجمع بين البساطة والعمق.

سلمت وزيرة الثقافة والفنون، مليكة بن دودة، جائزتي التكريم، مؤكدة أن السينما "هي الذاكرة حين تُروى، والمستقبل حين يُبتكر"، ليصبح هذا اللقاء على منصة المتوسط تجسيدًا حيًا لذلك، حيث تلاقت المدرسة السينمائية العريقة مع الرسالة الفنية الحديثة في لحظة وفاء وجمال.

سميرة عوام 


أزياء تقليدية تخطف الأنظار في مهرجان عنابة

النجوم يُشيدون بسحر المدينة

عرف مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي تألقًا لافتًا للنجوم العرب والأجانب، ليس فقط بأعمالهم، بل بإطلالاتهم المستوحاة من التراث الجزائري، حيث خطف اللباس التقليدي الأضواء على السجادة الحمراء.

النجمة التركية داملا سونماز أبهرت الحضور بظهورها بالزي الشاوي الأصيل، في خطوة احتفالية بالثقافة المحلية، بينما اختارت الفنانة السورية سلافة معمار (قندلفت) ارتداء الكراكو العاصمي الأنيق، مؤكدة احترامها لتقاليد الجزائر.

ومن جهتها، عانقت الفنانة التركية برفين بقادت جمهور عنابة بابتسامة دافئة وأناقة تقليدية، عكست روح المهرجان وتنوعه الثقافي.

أما على مستوى التصريحات، فقد قال النجم التونسي كمال التواتي: "عنابة مدينة ساحرة، وسأكشف عن جمالها أكثر… وأتمنى أن يكبر المهرجان ليشمل كل نجوم السينما العربية."

فيما خطفت الفنانة عتيقة طوبال الأنظار ببساطتها وتواضعها، ونالت إعجاب الجمهور.

الممثلة ليديا شبوط عبرت عن انبهارها بمدينة عنابة وجمهورها، قائلة: "هذه التجربة ستبقى في ذاكرتي."

أما نجم مسلسل "فلوجة"، ديالي بن جمعة، فصرح بأن المهرجان "كبير ويستحق مرافقة إعلامية وثقافية أقوى ليأخذ مكانه عربياً ودولياً."

سميرة عوام 


لجان تحكيم مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي

حضور سينمائي عالمي وتكريس للجودة

أعلن، أول أمس، في ندوة صحفية، تندرج ضمن برنامج مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي في دورته الخامسة، عن تركيبة اللجان التي جاءت استثنائية هذه السنة، حيث ضمت أسماء لامعة في مجال السينما العالمية، من بينها متوجون بجوائز الأوسكار، وهو ما يحدث لأول مرة في تاريخ المهرجانات السينمائية الجزائرية.

عرفت لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة، مشاركة لافتة للمصممة والمديرة الفنية الإسبانية ماريا بيلار ريفوليتا برافو، الحائزة على جائزة الأوسكار عام 2007، عن تصميم فيلم "متاهة بان"، والتي تترأس اللجنة. ويشاركها في تقييم الأعمال، كل من الممثل الجزائري زين الدين سوالم، والممثلة السورية ديما قندلفت، إلى جانب الناقد السينمائي الجورجي ألكسندر قابيلا، والممثلة التركية داملا سونمار، المعروفة على الصعيد المتوسطي.

أما لجنة تحكيم الأفلام الروائية القصيرة، فيرأسها البريطاني شان كريستوفر أوجيلفي، المتوج بجائزة الأوسكار عن فيلم "المتلعثم"، بمشاركة الممثلة اللبنانية ريتا الحايك، والتونسية شاكرة رماح، إلى جانب الممثل والمخرج الجزائري إدير بن عيبوش. وقد تم التأكيد خلال الندوة، على أهمية هذا النوع من الأفلام كمساحة للتجريب الفني وخلق الإبداع، سواء على مستوى السرد أو تقنيات الإخراج.

وضمن لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية الطويلة، تم تعيين المخرجة الهندية كرتيكي غونسالفيت رئيسة للجنة، وهي الحائزة على جائزة الأوسكار سنة 2023، عن فيلمها الوثائقي "همسات الفيلة". وتضم اللجنة أيضًا كلا من المخرج الألماني ميخائيل شوفستري، والمخرجة الإسبانية إيزال فرناندير، والمخرجة الجزائرية فاطمة الزهراء زعموم، والمخرج الإيطالي روبيرتو بالداسار، مما يعكس تنوعًا جغرافيًا وفكريًا يثري عملية التحكيم.

تركزت مداخلات الحاضرين من صحفيين ونقاد، خلال الندوة، على الكيفية التي تعتمدها لجان التحكيم في تقييم الأعمال السينمائية، حيث تم التأكيد على ضرورة أن تحمل الأفلام رسالة واضحة ومؤثرة، إلى جانب جودة السرد والإخراج. وأشار أعضاء اللجان إلى أن التقييم لا يقوم فقط على الجانب التقني، بل على الأثر الإنساني والبعد الجمالي للفيلم، خاصة في ظل الظروف السياسية والاجتماعية الراهنة، التي تستدعي أعمالاً فنية تلامس قضايا الإنسان، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي تم التطرق إليها كرمز للقضايا العادلة في السينما.

خصص جزء هام من الندوة لمناقشة واقع الفيلم الروائي القصير، حيث اعتبره المتدخلون منصة مثالية لصقل مواهب المخرجين الشباب، وتحقيق تأثير فني دون الحاجة إلى ميزانيات ضخمة. كما تم التأكيد على ضرورة مراعاة عنصر الزمن، وخلق شعور قوي لدى المتلقي في وقت قصير، مع إيصال رسالة واضحة وعميقة.

أما بخصوص الفيلم الوثائقي، فقد طُرح إشكال الخلط بين الفيلم الوثائقي والروبرتاج الصحفي، حيث أجمع أعضاء اللجنة المختصة على أن ما يميز الفيلم الوثائقي هو رؤية المخرج، وبصمته الفنية، وليس فقط نقل المعلومات. كما أشاروا إلى عزوف بعض المنتجين عن تمويل هذا النوع من الأفلام، بسبب رهانات التوزيع والعائد المادي، رغم أهميته في توثيق الأحداث والقضايا المصيرية.

في ختام الندوة، تم التأكيد على أن الدورة الخامسة لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي، تسعى لتكريس معايير مهنية عالمية في تقييم الأفلام، ومنح الجوائز، وتشجيع الإنتاج السينمائي النوعي، من خلال فتح المجال أمام تجارب سينمائية جادة ومبدعة من الضفة المتوسطية وما وراءها، بما يعزز مكانة المهرجان في الخارطة الثقافية الدولية.

سميرة عوام


في ذكرى استشهاده

زيغود يوسف يُلهب مشاعر جمهور عنابة 

احتفاءً بالذكرى 69 لاستشهاد البطل زيغود يوسف، احتضن المسرح الجهوي عز الدين مجوبي بعنابة، عرض الفيلم التاريخي "زيغود يوسف"، في أمسية مفعمة بالفخر الوطني والعرفان بالتضحيات.

الفيلم الروائي الطويل، من إخراج مؤنس خمار وسيناريو المؤرخ أحسن تليلاني، يُجسد مسيرة الشهيد منذ شبابه، وانخراطه في صفوف الكفاح الوطني، مرورا بسجنه، وهروبه من معتقل عنابة، وصولًا إلى قيادته لهجومات الشمال القسنطيني يوم 20 أوت 1955، وحتى استشهاده البطولي في سيدي مزغيش سنة 1956.

العرض جاء ليُحيي الذاكرة الوطنية ويقرب الأجيال الجديدة من رموز الثورة التحريرية، عبر مشاهد قوية، موسيقى تصويرية مؤثرة من توقيع صافي بوتلة، وأداء تمثيلي جسد ببراعة شخصية زيغود وتضحيات رفاقه.

الجمهور الذي ملأ القاعة، تفاعل بشكل لافت، حيث طغى التأثر والتصفيق على أجواء العرض. كثير من الحاضرين عبروا عن اعتزازهم بإعادة إحياء سيرة بطل ينتمي إلى منطقة الشمال القسنطيني، مشيدين بجودة العمل وصدقه التاريخي.

سميرة عوام 


ضمن المنافسة «الخمسون سنة لاجئين" يوثق ذاكرة منفية

احتضنت قاعة "سينماتيك" عنابة، عرض الفيلم الوثائقي الطويل "الخمسون سنة لاجئين: العودة التي لم تحدث ـ قبرص 1974-2024" للمخرج القبرصي-اليوناني، ساكيس جيوُمباسيس، والذي عرف توافدا لافتًا من الجمهور، خاصة فئة الشباب.

الفيلم، الذي يدوم أكثر من 90 دقيقة، يوثق شهادات حية لأفراد من القبارصة اليونانيين، الذين نزحوا قسرًا، إثر الاجتياح التركي لشمال جزيرة قبرص عام 1974. يروي قصص فقدان الوطن، المعاناة، وصراع العودة الذي لم يتحقق رغم مرور نصف قرن.

من خلال توثيق حياة سكان قرى، مثل آخنا وريزوكارباسو، يغوص الفيلم في عمق المأساة الإنسانية، بعيدًا عن السرد السياسي، ليطرح تساؤلات عن معنى الوطن، والهوية، والغياب.

عقب العرض، نُظمت مناقشة مفتوحة بين الحضور ومنسقي المهرجان، تناولت الرمزية التاريخية للفيلم، وتقاطع تجربته مع قضايا النزوح التي يعيشها العالم العربي والمتوسطي اليوم. الجمهور تفاعل بقوة، حيث اعتبر العديد من المشاهدين أن الفيلم "أعاد فتح جراح منسية"، ونجح في ملامسة الذاكرة الإنسانية العالمية بلغة صادقة وبسيطة.

الحاضرون أثنوا على المعالجة الفنية الراقية، واستخدام المخرج لصور الأرشيف وشهادات واقعية، ما منح العمل طابعا توثيقيا مؤثرا وإنسانيًا، في آنٍ واحد. "العودة التي لم تحدث" لم يكن مجرد عنوان، بل صرخة حنين عمرها خمسون سنة، سجلها التاريخ، ودونها الفن.الفيلم يدخل ضمن التنافس في مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة في طبعته الخامسة 

سميرة عوام