فريد إيغيل أحريز يحاضر بمدرسة حفظ الممتلكات الثقافية وترميمها:

ضرورة وضع بصمتنا في الدراسات حول آثارنا القديمة

ضرورة وضع بصمتنا في الدراسات حول آثارنا القديمة
  • 732
لطيفة داريب لطيفة داريب

دعا الباحث في الآثار فريد إيغيل أحريز، في الندوة التي نشطها، أول أمس، بالمدرسة الوطنية العليا لحفظ الممتلكات الثقافية وترميمها، إلى إجراء أبحاث ودراسات حول آثارنا؛ حتى لا نواصل الاعتماد على تلك التي قام بها المستعمر الفرنسي وانجرّ عنها تسميات غير جزائرية للعديد من المواقع والآثار القديمة، وبالتالي إقصاء كل ما هو جزائري أصيل.

قدّم المدير الأسبق للحظيرة الوطنية للأهقار، الأستاذ إيغيل أحريز، مداخلة بعنوان "الصحراء عبر الحضارات والثقافات ما قبل التاريخ، من أقدم أداة إلى الفترة العتيقة". وقال إن أقدم أداة وُجدت في الصحراء الجزائرية تعود إلى 204 مليون سنة. أما أقدم وجود للإنسان في الجزائر فكان في تيغنيف (معسكر)، منذ مليون سنة. وقد استطاع الرجل الإفريقي تطوير الأداة التي كان يستعملها في الصيد لتصبح أكثر حدة. كما استعمل، في نفس الفترة، النار للطبخ، والدفاع عن النفس، والإنارة، بعدها بدأ في الهجرة نحو أوروبا، وآسيا؛ إذ قبل مليون سنة، كان وجود الإنسان، فقط، في إفريقيا.

وأضاف المحاضر أن الإنسان في تلك الفترة السحيقة، كان يعيش من الصيد، والقطف. وكان يختار المناطق القريبة من الماء للاستقرار. أما قبل 3 آلاف سنة، فقد حسّن الرجل الإفريقي، أكثر، الأدوات التي يستعملها في يومياته. وفي نفس الفترة، أصبح يدفن موتاه، بينما قبل ألفي سنة، طوّر، أكثر، أداته، واخترع قطع الغيار؛ أي أنه أصبح يغيّر قطعة من أداته تعرّضت للتلف بدلا من رميها، مثل ما كان عليه الأمر في السابق.

وتابع الأستاذ: "قبل عشرة آلاف سنة، تغيّر الرجل الإفريقي، ولم يعد يصطاد ويقطف فقط، بل تحوّل إلى منتج وراعٍ، علما أنه تم اكتشاف أقدم تجمّع سكاني في صحراء الجزائر "الأهقار والطاسيلي"، بالإضافة إلى اكتشاف أدوات كان يستعملها؛ مثل أوان فخارية وأسهم، وغيرهما.

وأشار إغيل أحريز إلى أن الرجل الجزائري أصبح يتقن استعمال النار لصنع الأواني الفخارية. كما شرع في التعبير عن نفسه برسومات ونقوش، أغلبها عن الحيوانات التي يعيش معها وأخرى يصطادها، ليقوم برسم مشاهد من الحياة قبل 8 آلاف سنة، بينما رسم الحصان الذي كان يعتبره وسيلة للنقل، وهذا قبل 6 آلاف سنة. أما قبل 3 آلاف سنة، فرسم الجمل في فترة عرفت تدريجيا تغيّر الأرض المخضرّة إلى صحراء، ليطوّر، بعدها، فن النقش الصخري إلى كتابة، مستعملا، في ذلك، حروفا ماتزال حية إلى اليوم.

وفي هذا السياق، نوّه فريد إغيل أحريز، بثبات لغة التيفيناغ عكس كثير من اللغات القديمة التي لم يعد لها وجود في وقتنا الحالي.

وبالمقابل، تحدّث المحاضر عن ظهور المعالم الجنائزية بأشكال هندسية مشيَّدة بشكل متين؛ وكأنّ أجدادنا أدركوا أن الموت أبديٌّ، وعلى مظاهره أن تكون على نفس الشاكلة. كما أكد تطوّر هذه المعالم من خلال اتخاذها شكل غرفة؛ أي قبل ثلاثة آلاف سنة من بناء الأهرامات المصرية.

وفي إطار آخر، دعا إيغيل أحريز المتاحف الجزائرية إلى تنظيم معارض وورشات تخص تاريخنا القديم، معيبا، في الوقت نفسه، ضعف الديناميكية في المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ، وعلم الإنسان والتاريخ، والمركز الوطني للبحث في علم الآثار.

كما أطلق صرخة، تمثلت في ضرورة تقديم المزيد من الأبحاث والدراسات حول آثارنا بدل الاعتماد على دراسات المستعمر الفرنسي، الذي أطلق على آثارنا تسميات تعود إلى حضارات غير محلية؛ مثل رومانية، وأخرى بيزنطية، في حين أن فرنسا لو تكتشف جدارا صغيرا تقول إنه من أصل "غولوا" رغم أن "الغاليين" لم يُعرف عنهم أنهم مشيّدون، ليتساءل: "أين أجدادنا من البربر من كل هذا؟".

ومن جهته، قدّم الأستاذ أمين ماشان مداخلة بعنوان "منطق موقع قرى واد عبدي"، قال فيها إن القرى التابعة لهذه المنطقة من جبال الأوراس، بعضها هجرها سكانها مثل قرية غزال، وأخرى ماتزال شامخة؛ كقرية منعة، وهذا بفعل بناء المستعمر الفرنسي طريقا، قسّم قرى إلى جزءين، وعزل بعضها، ولم يمس أخرى رغم قربه منها. وأشار إلى ضرورة دراسة الهندسة المحلية لهذه القرى، مع تبيان السياق الاجتماعي والجغرافي لها، خاصة أنها مميزة، ولا نجدها في مناطق أخرى.