أكد أن العربية تكتنز محمولات دلالية هائلة، الدكتور عابد لزرق:

ضرورة التسويق اللغوي والأدبي للأمكنة السياحية

ضرورة التسويق اللغوي والأدبي للأمكنة السياحية
الدكتور عابد لزرق من جامعة تيسمسيلت
  • 811
لطيفة داريب لطيفة داريب

قدم الدكتور عابد لزرق من جامعة تيسمسيلت، مداخلة تحت عنوان "وظيفية اللغة العربية ودورها في ترقية التسويق السِّياحي: الآليات والخصوصيات التواصلية"، خلال مشاركته في أعمال الملتقى الوطني "اللغة الوظيفية في: الديبلوماسية، السياحة، الفندقة، وسائل النقل"، الذي نظمه مؤخرا، المجلس الأعلى للغة العربية.

سعى الدكتور عابد لزرق من خلال مداخلته التي قدمها بتقنية "زووم"، إلى مناقشة الجانب الوظيفي والتواصلي للغة العربية في مجال السياحة، ودور هذا الجانب في ترقية وسائل التسويق السياحي والاتصال بين مقدمي الخدمات السياحية والسياح.

في هذا السياق، قال الدكتور، إن العربية تكتنز محمولات دلالية هائلة وخصائص تداولية تخدم هذا التواصل السياحي وتُنميه، مضيفا أن المجال التطبيقي للغة الوظيفية هنا، هو مجال التسويق والتواصل السياحي. انطلق الدكتور في مداخلته من الفرضية القائلة، إن اللغة مدخل أساس لفهم العالم والوجود وفهم ظواهره ومشكلاته، كما يرى فلاسفة التحليل اللغوي، مؤكدا أننا نفكر ونحلل ونتناقش عن طريق اللغة، وقدم مثالا عن ذلك بمقولة الفيلسوف النمساوي لودفيج فتجنشتاين في كتابه "تحقيقات فلسفية"؛ "معظم مشكلاتنا الفكرية ناتجة من جراء تخبطنا في اللغة". طرح عابد سؤالا مهما في هذا المجال، وهو "كيف نستفيد من وظيفية اللغة العربية في ترقية التواصل السياحي، وخدمة هذا القطاع وترقية العلاقة بين المشتغلين فيه، وبين المستهلك الذي هو السائح؟" والسائح سواء كان أجنبيا أو محليا، فهو بحاجة إلى معجم اصطلاحي سياحي واضح، ودليل للتواصل. تساءل مرة ثانية، عن كيفية تسويق المنتَج السياحي بلغة وظيفية جامعة، هي اللغة العربية، ولأن هذه الأخيرة من اللغات الرسمية التي تعترف بها منظمة "اليونسكو" في مجال التواصل السياحي. وفي نفس الوقت، كيف نستفيد من التسويق السياحي لخدمة اللغة العربية؟

إضافة إلى ما ذُكر، دعا الدكتور إلى تسليط الضوء على دور كل من الأدب والإبداع المكتوب باللغة العربية، ووظيفيته في التشهير للأمكنة المحلية سياحيا والتسويق لها لغويا وأدبيا، فوظيفية الأدب من وظيفية لغته. فهل نحن نملك ثقافة السياحة الأدبية كما هي معروفة في الغرب؟. أشار إلى أنه في الغرب، توجد هذه الثقافة، وهي منتشرة بكثرة، وهناك ارتباط وثيق بالأمكنة ومختلف الأعمال الإبداعية، وبحياة مؤلفيها، حيث يتم استغلال رواج هذه الأعمال قصد الترويج لأمكنتها وفضاءاتها، لتتحول إلى مزارات سياحية، وفي هذا استغلال للأدب والإبداع واللغة المكتوب بها للتسويق السياحي. ومن هذه الفضاءات، ذكر على سبيل التمثيل، متحف المحقق شارلوك هولمز، أحد أشهر متاحف العاصمة البريطانية لندن، متحف هيركيول بوارو Hercule Poirot المحقق الأشهر الذي أوجدته البريطانية أغاثا كريستي. ومسكن جورج أورويل في الهند، وهو مسكن امتلكه فترته إقامته هناك مع عائلته، وتم تحويله قبل سنوات قليلة، إلى متحف لاستغلال شهرة الكاتب قصد جلب الأنظار إلى القرية النائية الواقع بها. ذكر أيضا، وضع دليل سياحي في مدينة نابولي الإيطالية، يقود السياح والأجانب إلى زيارة مختلف أماكن المدينة التي تحتفي بها أحداث رواية "صديقتي المذهلة"، أو ما يعرف برباعية نابولي للكاتبة الإيطالية "إيلينا فيرانتي". أما في روسيا، فتوجد متاحف بأسماء أشهر الأدباء الروس، مثل متحف تولستوي ومتحف بوشكين، ويتم تنظيم جولات سياحية إلى مدينة سان بطرسبرغ والعاصمة موسكو، لمحاكاة وتتبع أماكن وجود أبطال أشهر الروايات الروسية، مثل آنا كارينينا وغيرها.

تابع هذه بعض الأمثلة عن ثقافة السياحة الأدبية في العالم الغربي، وواقع الحال أننا لا نملك هذه الثقافة في الجزائر، ولا نستفيد من منجزنا الإبداعي والأدبي في خدمة السياحة المحلية، لعدة أسباب، لعل أبرزها ضعف السياحة لدينا عموما، ناهيك عن غياب نصوص وأعمال تحتفي جيدا بالمكان، كإرث ثقافي وتاريخي، أو على الأقل نقص الاهتمام بها، حتى أبرز النصوص منها لم نستفد منها جيدا، فمدينة تاريخية مثل قسنطينة، وهي مدينة رواية "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي، واحدة من أشهر الروايات الجزائرية المعروفة عربيا، لم نستفد منها جيدا للترويج للسياحة وزيارة المدينة أمام السائح العربي على الأقل. وبشكل عام، فالسياحة الأدبية مفهوم شبه غائب وغير منتشر حتى عربيا". في المقابل، قدم الدكتور مقترحات تتمحور حول وضع مجموعة آليات لغوية إجرائية، تخدم مختلف جوانب التواصل السياحي، منها الوقوف عند الاستعمال الوظيفي للغة العربية ومرونته في مجال الاستثمار السياحي والتسويق له، وضع تخطيط لغوي وسياسة لغوية صارمة ومحددة تخدم مختلف جوانب التداول السياحي. والدعوة إلى الاهتمام الجدي بالأداء اللغوي، وإثراء مهاراته عند تكوين العاملين في مجال السياحة من مرشدين وغيرهم.

فيما يخص المقترحات، نجد أيضا، الدعوة إلى وضع معاجم مصطلحية، ومسارد متخصصة، وأدلة سياحية باللغة العربية تخدم قطاع السياحة، وتُرقي جوانبه التواصلية من باب تحقيق الأمن اللغوي، الذي هو أحد ركائز الأمن الثقافي، وفي نفس الوقت، العمل على ترجمة هذه الأدلة السياحية والمعاجم إلى اللغات العالمية المتداولة في هذا المجال، كي لا يكون الأمن اللغوي عائقا أمام الانفتاح على الآخر. والاستفادة من الخبرات المماثلة في هذا الجانب اللغوي الوظيفي، من الدول المجاورة والعربية الرائدة في مجال السياحة.