ملتقى "دور المكتبات في حماية التراث الثقافي" بقسنطينة

ضرورة الإسراع في وضع سياسات واضحة للرقمنة

ضرورة الإسراع في وضع سياسات واضحة للرقمنة
  • 227
ح. شبيلة ح. شبيلة

أوصى المشاركون في الملتقى الوطني الثالث الموسوم بـ«دور المكتبات في توثيق ورقمنة التراث الثقافي والترويج له"، بضرورة الإسراع في وضع سياسات وطنية واضحة لرقمنة التراث الثقافي داخل المكتبات ومؤسّسات الذاكرة، تقوم على التخطيط طويل المدى، واحترام المعايير الدولية في الحفظ الرقمي، وضمان الاستدامة، وحماية المحتوى الثقافي من الضياع أو التشويه في الفضاء الرقمي.

أكّد المشاركون في اختتام الملتقى الوطني، أوّل أمس، والذي احتضنته المكتبة الرئيسية للمطالعة بقسنطينة، على أهمية تعزيز التكامل الوظيفي والمؤسّساتي بين المكتبات والأرشيف والمتاحف، من خلال إطلاق مشاريع مشتركة، وتوحيد المعايير التقنية، ونظم الحفظ والإتاحة الرقمية، بما يضمن تثمين الرصيد التراثي الوطني، وتسهيل الوصول إليه. كما شدّدوا على تشجيع توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات الفهرسة، والتعرف الآلي، وتحليل المحتوى الثقافي، شريطة أن يتم ذلك في إطار أخلاقي وقانوني، يحفظ سلامة البيانات، ويحترم الخصوصية، والبعد الثقافي للتراث.

في السياق نفسه، دعا المشاركون إلى إدماج الوساطة الرقمية كوظيفة أساسية داخل المكتبات العمومية، عبر تطوير المنصات الرقمية، والتطبيقات التفاعلية، والمحتوى الموجه للجيل الرقمي، بما يعزّز إتاحة التراث، واستثماره معرفيا. كما أوصوا بتعميم التجارب الناجحة في رقمنة المخطوطات والرصيد النادر؛ على غرار تجربة مكتبة "أحمد عروة"، مع توفير الموارد التقنية والتكوينية اللازمة؛ لضمان جودة الحفظ، والإتاحة المتوازنة.

كما شملت التوصيات تشجيع اعتماد التقنيات الحديثة، لا سيما الواقع المعزّز والواقع الافتراضي، كآليات مبتكرة لتثمين التراث الثقافي والترويج له داخل المكتبات والمؤسّسات الثقافية، إلى جانب تطوير استراتيجيات فعّالة للترويج الرقمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، بما يعزّز حضور التراث في الفضاءين العمومي والرقمي.

وأوضح المشاركون أنّ هذه التوصيات تنبع من قناعة راسخة بأنّ التراث الثقافي يمثّل ذاكرة الأمة، وأحد أهمّ مقوّمات هويتها، مؤكّدين أنّ التحوّلات الرقمية المتسارعة فرضت إعادة النظر في آليات حفظ هذا الموروث. كما جعلت من المكتبات فاعلًا محوريًا في توثيقه، ورقمنته، والتعريف به، بما يضمن نقله إلى الأجيال القادمة بوسائط عصرية وآمنة.

ومن جهتها، مديرة المكتبة السيدة راضية لوصيف، أكّدت أنّ الملتقى جاء لإبراز دور المكتبات في توثيق ورقمنة التراث الثقافي، وتبادل الخبرات بين المكتبات والمؤسسات الثقافية، مع تعزيز التعاون والتنسيق بينها، إلى جانب تطوير آليات الترويج الرقمي، وفتح آفاق جديدة للشراكة، بما يساهم في الحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية، وتحويل مشاريع رقمنة التراث إلى رافعة حقيقية للتنمية المعرفية.

أما الدكتورة سعاد بوعناقة من جامعة قسنطينة 2 "عبد الحميد مهري"، فتطرّقت في مداخلتها الموسومة بـ«حماية التراث في العصر الرقمي، الذكاء الاصطناعي أنموذجا"، للتحوّل النوعي الذي أحدثته التقنيات الحديثة في مجال حماية التراث الثقافي، مؤكّدة أنّ الذكاء الاصطناعي أصبح أداة استراتيجية في توثيق التراث الإنساني، وصيانته، والترويج له بطرق أكثر دقة واستدامة.

وأبرزت المتدخلة أنّ هذه التطبيقات مكّنت من فهرسة المخطوطات والأعمال الفنية، واكتشاف القطع الأثرية المتضررة، وتحويل النصوص التراثية إلى مواد رقمية قابلة للبحث، إلى جانب إنشاء متاحف افتراضية، وتطوير تجارب الواقع المعزّز. كما نبّهت إلى جملة من التحديات الأخلاقية والقانونية المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية وسلامة البيانات واحتمالات تحريف التراث الرقمي، مؤكّدة ضرورة توظيف هذه التقنيات ضمن إطار يحترم البعد الإنساني والقيمي للتراث.

ومن جهتها، أبرزت الدكتورة يمينة بيلاك، وثائقي أمين محفوظات رئيسي رئيس مصلحة الأرشيف الولائي في مداخلتها حول الأرشيف الرقمي والتراث الثقافي، أهمية العلاقة التكاملية بين مؤسّسات الأرشيف والمكتبات في العصر الرقمي، باعتبارها ركيزة أساسية لصون التراث الثقافي، وضمان استمرارية إتاحته للأجيال القادمة، مؤكّدة أنّ تحديات التحوّل الرقمي تفرض توسيع مفهوم التراث، ليشمل المحتوى الرقمي، إلى جانب المخطوطات التقليدية، وموضّحة أنّ الأرشيف يركّز على أصالة الوثيقة، وسياقها، والحفظ طويل الأجل، في حين تضطلع المكتبات بمهمة التنظيم الببليوغرافي، والوصف، والإتاحة الواسعة للمعرفة.  كما شدّدت على أنّ تقاطع أدوار المؤسستين في مجالات الحفظ الرقمي، والميتاداتا الموحّدة، وإدارة المستودعات الرقمية، يستدعي تبنّي استراتيجيات وطنية مشتركة، وتكوين الكفاءات البشرية، بما يضمن توحيد المعايير، وتحقيق الوصول المفتوح والمستدام للتراث الثقافي الرقمي.