تواصل معرض شفيقة فغير بالمركز الثقافي مصطفى كاتب

ضبابية الغموض ونصاعة الواقع

ضبابية الغموض ونصاعة الواقع
  • القراءات: 1017
لطيفة داريب لطيفة داريب
يشعر الفنان بغصة حينما يتخلى عن موهبته ولو لفترة، بل تبدو حياته فارغة بعض الشيء أو في منتهى الضياع، وهي حال الفنانة شفيقة فغير التي أجبرتها الظروف على ترك الريشة والاهتمام بواجباتها العائلية، ليأتي اليوم المنشود وتعرض رسوماتها التي كانت تقوم بها لتمضية الوقت والتمسك بهذا الحب.
عادت شفيقة فغير إلى حبها الأول المتمثل في الرسم من خلال معرضين، الأول أقامته العام الماضي برواق عائشة حداد، حينما "أجبرها" ابنها البكر على الخروج من العتمة نحو نور الفن، والثاني تنظمه هذه الأيام في المركز الثقافي مصطفى كاتب إلى غاية 19 أكتوبر المقبل.
وفي هذا تقول شفيقة لـ "المساء"، إنها عشقت الرسم منذ طفولتها الغضّة، وترجمت هذا الوله من خلال التحاقها بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتشجيع من والدها، الذي دفعها إلى الإفصاح عن هذه الموهبة، بعدها اتجهت إلى التدريس، ومن ثم تزوجت وتخلت تماما عن هذا العالم السحري، لتعود إليه بعد عشرين سنة، وهذه المرة عن طريق ابنها البكر، الذي اتصل بالمسؤول عن المعارض بمؤسسة فنون وثقافة، فكان ميلاد معرض شفيقة برواق عائشة حداد السنة الفارطة. وأضافت شفيقة أنها كانت ترسم من حين لآخر، ومن ثم تخبّئ رسوماتها، لكنها انقطعت تماما عن هذا العالم، فلم تكن تعرض أعمالها، ولم تكن أيضا على صلة بالفنانين الآخرين ولا حتى تتبع معارضهم، بل كان كل همها تربية أبنائها والاهتمام بدراستهم، واليوم وبعد عشرين سنة من هذا الجهد، عادت إلى حبها الأول، ولم ترض إلا أن تقاسم الجمهور رؤيتها للفن رغم أنها أكدت لـ "المساء"، أنه لولا ابنها الذي دفعها دفعا لعرض أعمالها لما تجرأت وفعلت ذلك.
وهكذا تعرض شفيقة 43 لوحة في معرضها الثاني، وهذه المرة بالمركز الثقافي مصطفى كاتب، معظمها تُعرض لأول مرة بتقنيات كلاسيكية، مثل الأكريليك الغواش والمختلط، وبعضها بتقنية الفن الرقمي التي اكتشفتها الفنانة مؤخرا. وفي هذا تقول: "اكتشفت الفن الرقمي هذا العام، فقمت بوضع عدة رسومات، ومن ثم طبعتها ووضعتها في اللوحات، فكانت النتيجة جميلة". وتضيف: "أعتقد أن الفن الرقمي فن قائم بحد ذاته، ورغم أن الجميع يمكن أن يرسم على جهاز الكمبيوتر إلا أنه ليس أيا كان يملك الذوق الفني". أما عن اللوحات المتبقية فرسمتها الفنانة بتقنيات كلاسيكية، وضمت مواضيع تتمحور حول الموسيقى والأزهار والهندسة المعمارية العاصمية والبواخر.
وهكذا رسمت شفيقة الموسيقى لتعبّر عن حبها لها، وهي التي تعلمت في طفولتها العزف على البيانو، فجاءت لوحة رسمت فيها آلات موسيقية، مثل الموندول والباندو، في حين حملت لوحة أخرى رسمة للقيتار الكهربائي. وبالمقابل، اعتمدت الفنانة على المزج بين الواقعي والتجريدي لكي يدرك الجمهور، على الأقل، موضوع اللوحة، وفي نفس الوقت ينبهر ببعض الغموض الذي يصاحبه؛ أليست الحياة مزيجا بين الواقع والخيال؟
وزينت لوحات شفيقة التي تحمل أزهارا فواحة، رواق المركز الثقافي مصطفة كاتب، فمن زهرة التوليب إلى زهرة كوكليكو، ومن زهرة اللوف (أروم) إلى زهرة التفاح، ومن الزهور الحمراء إلى زهرة الليلك، حيث رسمت شفيقة أزهارا متنوعة وأضفت عليها أحاسيسها، وهو ما جعلها تنبض فنا وحسا، بينما رسمت الفنانة لوحة "مساجد العالم" بعدما حلمت بهذا المنظر الخلاب، المتمثل في مجموعة من المساجد تظهر قممها، وفي السماء كتبت عبارة "الله أكبر".
وعن المساجد، استلهمت الفنانة عدة لوحات، مثل لوحة "المآذن"و"كتشاوة" و«الجامع الكبير"، كما رسمت ثلاث لوحات عن مقام الشهيد، واحدة عنونتها بـ "ضبابية المقام"، والثانية "شفافية مقام الشهيد"، والثالثة "مقام الشهيد". كما رسمت مقر ولاية الجزائر وعدة لوحات عن القصبة،في حين لم تنس حبها للبحر، فكانت النتيجة عدة لوحات من بينها لوحة "الزورق الأخضر".
ولم تتخل شفيقة عن أسلوبها الفني، حيث جاءت جميع لوحاتها مزيجا بين الواقعي والتجريدي، عاشقة، في السياق ذاته، الأسلوب الانطباعي، وها هي لوحة "الغنى" التي كتبت فيها شفيقة كلمة الله بطريقة تجريدية، كما استعملت في بعض اللوحات الكثير من الألوان، مثل لوحة "ببغاوات" ولوحة "التوليب".
وهكذا عادت الفنانة شفيقة فغير إلى عالم الفن التشكيلي بعد قطيعة دامت عشرين سنة، لتعرض على محبي هذا الفن، أعمالا معاصرة، تزاوج بين الواقعي والتجريدي، فهل ستتوقف الفنانة عند هذا الحد، أم أن شهيّتها انفتحت ولن تعود إلى الوراء؟ هذا ما نتمناه لامرأة ضحت لأجل زوجها وأطفالها، وطلّقت جزءا من روحها وتناستها، لكن الحب الحقيقي لا يموت، وحتما سيأتي اليوم الذي يعود فيه بقوة.