مجلة “ميريت” الثقافية تحتفي بـ “ضمير المتكلم”

صوت واحد لكل الضمائر

صوت واحد لكل الضمائر
  • القراءات: 1117
مريم .ن مريم .ن

صدرت، مؤخرا، دراسات نقدية جزائرية هامة لأكاديميين جزائريين، ضمن ملف مجلة “ميريت” الثقافية بالقاهرة، حول رواية “ضمير المتكلم”، وذلك في عددها 32 لشهر أوت الجاري؛ إذ تضمن العدد مساهمات راقية مع هذه الرواية التي حققت الحضور داخل وخارج الجزائر.

حملت الدراسة النقدية عنوان “مدينة لواقع غير فاضل” للأستاذ الناقد الطيب خالدي، جاء فيها: “إذا كان الضمير في حد ذاته مشكلا لآراء وفق خلفيات محورية تدور في بنايات الذاكرة لتجعلها قوالب متجددة بين الحين والآخر، فإن ذلك قد فتح المجال أمام ضمير المتكلم، الذي نسأل عنه باعتباره ضميرا محايدا لجل الضمائر التي تنتظر دورها في ليالي الحكي، أو موازيا لباقي الخطابات التي ترفضه من منطلق الضمير الذي سكن الخطاب، واحتل فضاء كبيرا من جغرافيا الأحداث، مستمدا ثروة الذكريات من واقع ظل يناضل للحفاظ على شرف شهرزاد”. ويضيف: “حين تتحدث الضمائر مع الأنا الساردة، فإن مجموعة من الأسئلة تراود الذاكرة وتصر على الطرح؛ لذلك نجد سكان الرواية يسارعون نحو الأسئلة التالية: ما هو موقع الضمير من سرديات فيصل الأحمر؟ لماذا اختار الروائي ضمير المتكلم على غيره من الضمائر؟”. جل الإجابات ستكون حوصلة لإفرازات عالم روائي، يعيد نفسه في كل مرة بطرق متجددة، محاولا البحث عن سبل الوصول إلى الخطابات التي شكلت بنايات لغوية قواعدها محصنة، وأبواب الدخول إليها تحتاج إلى شبكة معقدة من الدوال المتعالية.

الغالب في الأمر أن الضمائر تنحني كلما ظهر المتكلم أو ضميره الذي ينوب عنه في شخصيات تلبس أقنعة متعددة، وتستعين بخطابات متجددة تُظهر حقيقة البيانات التي يريدها الآخر؛ لأنه، في المقابل، اعتاد سماع أصوات تحدث ضجيجا ثم تختفي، غير أن ضمير المتكلم يحدث أصواتا ولا يزعج الحضور، بل هو مطالَب بالظهور لا التخفي، ولهذا جاءت الرواية في قالب جديد متعدد الأصوات، متنوع الخطابات، عمد فيه الروائي إلى استحضار شخصيات متعددة الوجوه، وضمائر تنسج دائرة بأبعاد مكانية شاملة، كما يحلل الناقد.

سكان الرواية يعيشون داخل حيز جغرافي مدجج بالخطابات كمخلفات استعمارية، تراهن بضرورة الحفاظ على نسل المستعمر. وتلاحظ شخصيات الرواية وضمائرها ترفض هذا الاقتراح، وتفتح دائرة البحث عن المغلول وسط ركام الأحداث.

جدير بالقول إن سكان الرواية يرفضون هذا الكلام، ويراهنون على ضرورة وجود تاريخ يثبت هوية هؤلاء الأفراد الذين شاهدوا الأحداث، وشاركوا في اللعبة القتالية التي فرضها التاريخ تحت ضغط المستعمر، لذلك فإن سكان الرواية ينتقلون بين الأرصفة، ويتوقفون حين يبدأ نظام الكلام بين الأمكنة التي تقص على مسامع السكان الأحداث التي عاشتها، والخطابات التي أشعلت نار الثورة؛ من منطلق أن الحرب تيمة الشعوب التي تريد غايتها، وبلوغ ذروة الانتصار.

شخصية بارزة في العمل الروائي وهي شخصية “الشيخ”، تخاطب الضمائر بصيغ مختلفة، وتنشر خطابات محملة بخلفيات، في المقابل تنصت إلى باقي الشخصيات وتتعاطف معها.

شخصية “الشيخ” في ثقافتنا حمّالة أوجه، تحمل أدوارا كثيرة ومتنوعة؛ فهو شيخ القبيلة وإمامها، ورب الأسرة الذي لا مهرب من كلامه، وسائق الخطابات وموجة الناس.... لهذا نجد دوره بين سكان الرواية محوريا، يقدم الوصايا، وينصت للجمهور.

ويقول الناقد: “ربما جاز لنا القول إن الشخصيات في هرم الرواية تشكل دائرة توشك على الانغلاق فيما نحن نقرأ الرواية، لكنها ترفض هذا الاقتراح، بل تترك باب الدخول إليها مفتوحا ومستمرا؛ لأن توالي الشخصيات ودخولها إلى هذه الدائرة يشكل جمهورية يعوَّل عليها، لذلك نلاحظ أن مسار الرواية يرفض الانتهاء، بل نجد هناك تسارعا في الأحداث والخطابات بين سكان الجمهورية؛ حفاظا على وصايا التاريخ لأولاده”.

كما كتبت الدكتورة وسيلة بوسيس (زوجة فيصل الأحمر) عن هذه الرواية، وأكدت أن “الشيخ يقف وينصت بدون أحكام”. وتضيف مخاطبة زوجها: “لقد تربعت على عرش رواية كبيرة بكل المقاييس؛ من خلال انسحابك شبه التام لفائدة متكلمين معذبين من بسطاء الناس، الذين ذهبت بهم أطماعهم في كل مذهب. ولكن دعنا نر في أي شيء تراهم طمعوا، وإلى أي حد يكون أذنب هؤلاء الأشخاص؟ هم أناس أحبوا وطمعوا في تحسين ظرف الملبس والمأكل والمأوى، والتفنن في كل ذلك؛ أليس هذا هو تعريف ابن خلدون للحضارة؟ التفنن في شؤون المأوى والأكل والملبس والمجلس؟!”. كما تكتب الدكتورة وسيلة بأسلوب ساحر، ميلاد الرواية وأحداثها التي عاشتها لحظة بلحظة، مبدية تعاطفها مع إحدى شخصيات الرواية المقهورة، وهي زهور التي قاسمتها كل التفاصيل، ثم يبدو تمكّن الكاتبة في النقد، الذي كان عميقا وثريا.

وقدّم طارق بوحالة دراسة عن هذه الرواية التي تضمنت عدة حكايات بصوت واحد، تناولت التغيرات التي شهدها المجتمع، وهيمن فيها الأسلوب الحواري.

"ضمير المتكلم” هي رواية للأديب والأكاديمي فيصل الأحمر، صدرت، مؤخرا، عن منشورات دار ميم بالجزائر، وهي تقع في 331 صفحة، يحاول صاحبها أن يتخذ لنفسه مسلكا سرديا مغايرا.

وتتوزع الرواية ـ حسب الناقد طارق بوحالة  على مجموعة من الحكايات التي ترويها شخصيات عديدة، منها المصور، والسينمائي، والمخبر، والمؤرخ... هذه الحكايات التي توجه لشخصية “الشيخ”، لهذا فإن محكي الرواية هو عبارة عن محكي شخصياتها الأساسية. ويوظف فيصل الأحمر ضمير المتكلم بشكل أساس؛ على اعتبار أنه سيد الضمائر.