في الذكرى الـ29 لاغتيال مجوبي

صوت الشعب الذي كتمته الظلامية

صوت الشعب الذي كتمته الظلامية
  • القراءات: 517
مريم. ن مريم. ن

كان فنانا خادما لوطنه الجزائر 

راهن على الشباب الذي تبناه ولم يبخل عليه

أحيا المسرح الوطني الجزائري "محي الدين بشطارزي"، أوّل أمس، ذكرى الراحل عز الدين مجوبي تحت شعار "عز الدين والحياة الثانية على الخشبة"، الفنان الذي ترك روائع بعده تروى للأجيال وتؤكد بحقّ أنّه كان صوت الشعب الذي لا يكتم، وفي كلّ ذكرى تظهر تفاصيل أخرى عن حياته الفنية والاجتماعية التي تزيد من شأنه ومن مكانته داخل وخارج الوطن.

نشط هذا اللقاء كلّ من احميدة العياشي وأرملة الفقيد مجوبي السيدة أمينة، استعرضا فيها تفاصيل أكثرها يروى لأوّل مرة أمام الجمهور، سواء ما تعلّق بمشوار الراحل الفني أو من خلال علاقاته الإنسانية والاجتماعية.

علاقات يبنيها المسرح

أشار الكاتب والإعلامي احميدة العياشي إلى علاقته بالراحل التي توطّدت خلال مهرجان عنابة للمسرح سنة 1993 (عضو في لجنة التحكيم)، وكانت مرحلة شهدت بداية العمليات الإرهابية، خاصة بعد مقتل الكاتب طاهر جاوت صديق مجوبي، وأضاف المتحدّث "حينها جرى حوار بيني وبين مجوبي عن جاوت كصديق له وككاتب مثقف، كما شهد هذا المهرجان تجربة مسرحية لمجوبي تتمثّل في مسرحية "عالم البعوش" التي تعاون فيها مع المخرج عمر فطموش، وكانت بمثابة نقد للواقع وتشبيه فئة من المجتمع بالبعوش لأنّها تمتصّ كلّ شيء وترسّخ الآفات من بيروقراطية واستغلال وفساد، وقد نالت الجائزة الأولى للمهرجان". كما تبنى مجوبي مسرح المقاومة في العشرية السوداء تماما، كما واكب قبلها التحوّلات التي عرفتها الجزائر مع التعددية السياسية ومراجعة القناعات الإيديولوجية.

من جهة أخرى، تناول المتحدّث رهان عز الدين مجوبي على الشباب الذي تبناه ولم يبخل عليه، وذلك من خلال مسرح الهواة، متوقّفا عند الهواة الذين كانوا النواة الصلبة لتأسيس مسرح باتنة، حيث اشتغل معهم مجوبي ووقف إلى جانبهم. ظل احميدة ومجوبي مرتبطان وتعزّزت علاقتهما أكثر في مرحلة الإرهاب، حيث كان الراحل يرى في المسرح مقاومة لما جرى، وكان لا يكف عن الإبداع ولم يغادر خارج الوطن، وذكر المتحدّث أنّ الراحل زاره في جريدته بدار الصحافة "طاهر جاوت" سنة 1994 وعرض عليه نصا مسرحيا مقترحا عليه تحويله إلى مونولوج مع حرية التصرف فيه، علما أنّ احميدة سبق له وأن كتب "مجلس الغربان" الذي اطّلع عليه الراحل.

مسرح المقاومة.. سلاح التسعينيات

أكّد المتحدّث أنّ العشرية السوداء استهدفت المثقفين والفنانين، ويكفي أنّ أكثر من مليون إطار جزائري غادر البلاد، في حين قرّر مجوبي المقاومة فبعد خروجه من تعاونية "القلعة" عاد للمسرح واتّجه للتكوين إضافة لبوادر مشروعه مع علولة لجمع المسارح في عمل مشترك، ثم أتت تجربة باتنة وهي مغامرة جديدة له مع الشباب الهاوي، وهنا طالب احميدة بضرورة التأريخ لهذه المرحلة من عمر المسرح الجزائري، علما أنّ فترة التسعينيات شهدت صعود جيل جديد أغلبه تقلّد النجومية في سنوات الـ2000.

كما ثمّن المتحدّث شجاعة الجمهور في العشرية السوداء حين كان يلتحق بعروض المسرح، أو يشارك بعضه في الدورات التدريبية، وحان الوقت اليوم، حسبه، لتثمين تلك التجربة التي لم تكن من فراغ، بل هي امتداد للفترات المسرحية منذ السبعينيات، وهي أيضا تثمين لمن ضحوا من أجل انتصار الحق والجمال.

في شهادتها قالت أرملة مجوبي السيدة أمينة (مينة) إنّها كانت تتدرّب معه في البيت على مسرحية جديدة خلال رمضان الذي استشهد فيه، وكان يلتحق بالمسرح الوطني الذي كان حينها مديره ليتدرّب بسرعة والعودة للبيت قبل الساعة الـ 11 ليلا موعد حظر التجوّل، مسترسلة في الآلام والمآسي التي عانتها هي والعائلة والأصدقاء بعد رحيله، مذكرة أن مجوبي لم يكن نجما بل كان فنانا خادما لوطنه الجزائر.

الحياة بعد مجوبي

تحدّثت السيدة أمينة عن تجربة زوجها في مسرح باتنة، حيث كلّفها برعاية أبنائهما ليتفرّغ للعمل وينهض بمسرح عاصمة الأوراس، مشيرة إلى أنّه كان يقوم بدراسة نفسية الشخصيات حتى يستطيع توزيع الأدوار، مؤكّدة على دوره في تكوين الهواة الذين لم يبخل عليهم بالجهد والوقت.

من الأشياء التي ذكرتها علاقته بالفنان محمد فلاق الذي شغل منصب مدير مسرح باتنة، حيث اقترح على صديقه مجوبي نص "الحوينتة" ليقوم الراحل بتحويلها لمسرحية تعتبر من روائع المسرح، تتناول حياة زوجين يشتغلان في دكانهما الخاص بأدوات الخياطة، لكن المافيا اقترحت عليهما الخوض في تجارة السلاح لجني الأموال وكان ذلك، وبهذه التجارة قُتل الأطفال واندلعت الحروب كما هو حاصل اليوم في غزة -تقول "مينة"-، وهذه المسرحية التي عرضت في بجاية وكان بطلها الفنان موهوب تعتبر من الروائع، لذلك تأسّفت المتحدّثة لعدم عرضها وتسجيلها تلفزيونيا لعرضها للأجيال، علما أنّ الكثير من الروائع غابت منها رائعة "بافون" التي شاركت فيها أمينة والتي قال عنها النقاد "لولا حوارها بالعربية لظننا أنّ الممثلين روس".

تحدّثت أمينة عن حياتها بعد مجوبي، وعن تراجع الدعم لها وعدم وفاء البعض، لكنّها بالمقابل ثمّنت مواقف تلاميذ علولة وأصدقاءه، من ذلك الوقفة الكبرى في ذكراه بباريس، حيث ظهر فيها الكثير من نجوم الجزائر منهم الراحل جمال علام، وأكّدت أيضا أنّ الراحل كاكي توفي مباشرة بعد سماعه خبر اغتيال مجوبي في نشرة الأخبار.

بالمناسبة، قرأت السيدة مجوبي بعض القصائد بالفرنسية منها قصيدة للشاعر معمري أحد منظّمي وقفة باريس، الذي أبرز فيها تأثّرها بوفاة مجوبي وذكر فيها دموع نجيب الذي كان يبكي حين يسمع أمينة وكانت بعنوان "كان الحب"، ثم قرأت قصيدة كتبها لغواطي ويصف فيها لحظة الاغتيال.

وعلى ذكر الشعر، فقد قرأ الراحل مجوبي قصيدة عصماء بالقبائلية في مهرجان الشعر ببجاية رغم أنه لا يتحدث بهذه اللغة، ما جعل القاعة تهتز ويزداد جمهورها تقديرا له. في الأخير، دعا احميدة العياشي لإعادة إحياء أعمال مجوبي من الفنانين الشباب وكذا عرضها على التلفزيون. وشهدت المناقشة تدخّلات من الذين عرفوا الراحل ومن الذين حضروا يوم اغتياله، ثم وضع الحضور باقة من الزهور أمام الجدارية التذكارية للراحل.